ما تزال الجالية الإسلامية والعربية في فرنسا تعيش حالة من الرعب والقلق جراء تنامي الظواهر العنصرية ضدهم، التي تحوّلت إلى أفعال وجرائم بعد أن كانت تقف عند حدود الاعتداءات اللفظية أو كتابة عبارات وشتائم.
مثل، أمس، ستة عشر عضوا من جماعة "حركة قوات العمليات" اليمينية المتطرفة المتهمين بالتخطيط لهجمات ضد مسلمين في فرنسا بين عامي 2017 و2018 أمام محكمة باريس الجنائية بتهمة "التآمر الإرهابي".
وبدأت محاكمة هؤلاء المنتمين إلى اليمين المتطرف وسط تعتيم إعلامي من الإعلام الموالي لهذا التيار، ويُشتبه في تخطيط المجموعة لأعمال عنف ضد الجالية المسلمة تحت لواء جماعة صغيرة تُدعى حركة قوات العمليات.
وفقا لتحقيق نشر في فرنسا انضم هؤلاء الأفراد بين عامي 2017 و2018 إلى منظمة "هرمية ومنظمة" تضم خلفيات ومهن متنوعة، منهم مهندسون ومحاسبون متقاعدون، ممرضون وحتى دبلوماسيون. ووفقا لأمر قضاة التحقيق كان هدفهم واضحا: التوعية بـ "الغزو الإسلامي" المزعوم من أجل "استعادة الإرث الذي بناه أسلافنا لأبنائنا وأحفادنا".
الظاهرة تعرف تسارعا خطيرا نحو بلوغ أوضاع غير مسبوقة في الداخل الفرنسي، بما أنّ الضحايا وإن كانوا من أصول عربية أو إسلامية، إلا أنهم مواطنون فرنسيون يتمتعون بكامل الحقوق المدنية والسياسية، مما يفرض على السلطات العمومية وعلى رأسها وزارة الداخلية وأسلاك الأمن التابعة لها توفير الحماية الكاملة لهم.
التصريحات السياسية للتيار اليميني المتطرّف المعروف بـ"استثماره" في فكر "الإسلاموفوبيا" وفروعها، أخرج شرارة كره وعداء ظل تحت الرماد لفترة طويلة، حتى أوشكت أن تكون غير موجودة أو ملاحظة إلا في حالات شادة جدا، بعدما قدمته الجاليات ذات الأصول الأجنبية لفرنسا في مختلف القطاعات وشتى والمجالات. ولعلّ أبرز مثل على ذلك تشكيلة الفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم الذي ضم لسنوات فسيفساء متنوعة من لاعبين من أصول مختلفة جمعتهم غاية واحدة.
تنامي التصريحات العنصرية من السياسيين المحسوبين على التيار اليميني المتطرف والمتعاطفين معهم من جهة، وتغاظي الإعلام الفرنسي على استنكار الأفعال وحتى الجرائم العنصرية ضد المسلمين والعرب، إلاّ على استحياء من جهة أخرى، دفعت هذا النوع من الاعتداءات إلى التنامي بشكل مخيف غير مسبوق إلى درجة أنّها أضحت تنبئ بانفجار الوضع في الداخل الفرنسي.
وبناء على هذه الأوضاع أصبحت تظاهرة العيد وأداء شعيرة الصلاة مناسبة تستدعي تأمينها بشكل استثنائي لتفادي أي احتمال لورود تجاوزات. ففي مدينة أميان شمالي فرنسا احتشد نحو ثلاثة آلاف مصل في ملعب مجاور لأكبر مسجد لأداء صلاة عيد الأضحى. فقد حل العيد هذا العام بعد أيام قليلة من الصدمة التي تعرّض لها مسلمو فرنسا بسبب مقتل الشاب أبو بكر سيسي في مسجد قرب مدينة نيم جنوب شرق البلاد، والتونسي هشام الميراوي قرب مدينة تولون، وهما الجريمتان اللتان عزّزتا الشعور بالعنصرية لدى المسلمين.
ومخافة وقوع أحداث عنه ضد المصلين المسلمين، خصصت محافظة المدينة سيارات وعناصر شرطة لتأمين الصلاة، خاصة وأنّه كثيرا ما يصطحب المصلين أبناءهم الصغار في صلاة العيد لمشاركة جو الفرحة وإبقاء صلتهم بالبعد الروحاني. وقد عبّر المصلون في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام، على أنهم باتوا يتوخّون حذرا أكبر عند الذهاب إلى المسجد خصوصا في أيام الجمعة، لاسيما بعد صدمة مقتل المصلي أبو بكر سيسي داخل المسجد في جنوب البلاد.
المهاجرون عبّروا على ما يشعرون به من نظرات عنصرية تمنعهم في الكثير من الأحيان عن الإفصاح عن أصولهم، تفاديا للتعرض لمضايقات أقلّها العنف اللفظي والشتم، بينما حمّلوا الجهات المسؤولة وخطاب الكراهية المنقول على القنوات ووسائل الإعلام، الجزء الأكبر من المسؤولية في تنامي الظاهرة التي تنذر بالخطر.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال