تواصلت احتجاجات "جيل زد" في المغرب لليوم الثاني على التوالي بعدة مدن مغربية، رغم حملة القمع الشديد والاعتقالات، فيما أخذت الأحداث في المغرب اهتماما إعلاميا دوليا كبيرا، وهو ما اعتبر مؤشر على ارتفاع الشك دوليا في قدرة النظام الحالي الغارق في الصراعات الداخلية السيطرة على الأوضاع وتقديم حلول لمطالب الشباب الغاضب الذي يرفض الإنفاق على مونديال كرة القدم على حساب الخدمات الصحية وحل مشاكله.
خرج، أمس، بعدة مدن مغربية، مظاهرات لشباب "جيل زد" ضد الوضع السائد في البلاد وضيق الأفق بالنسبة لجيل يعاني من البطالة التي وصلت إلى أرقام قياسية، وتحسين التعليم والخدمات الصحية، وقوبلت هذه الاحتجاجات بعنف كبير من طرف قوات الأمن.
وأعلن مكتب جمعية المحامين الشباب بالدار البيضاء، أنه سيكون على أتم الاستعداد لمؤازرة جميع المعتقلين وتتبع ملفاتهم أمام القضاء دفاعا عن مصالحهم وتكريسا لحقهم في الدفاع، مؤكدا أن الاعتقالات على خلفية احتجاجات "جيل زد" تعسفية.
واستنكر المحامون الشباب في بلاغ لهم ما خلّفته الوقفات السلمية الاحتجاجية من ردة فعل عنيفة وطرق قمعية، إثر مطالبة الشباب بأبسط الحقوق المجمع على أحقيتها دوليا ودستوريا والتي رافقتها اعتقالات متعددة في صفوف الشباب والنساء.
وأكدوا أن حرية التعبير والاحتجاج بشكل سلمي، تبقى من الحقوق الكونية المسلّم بها بموجب المواثيق الدولية والدساتير الداخلية لكل الدول، وأن الاعتقال والقمع والتعنيف لم يكونوا يوما الحل الأسلم لإسكات أفواه تنطق عن حق وتطالب بأبسط الحقوق الاجتماعية، معتبرين ذلك تراجعا خطيرا على كل المكتسبات الحقوقية في هذا الوطن.
من جهتها، قالت رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، سعاد براهمة، في تصريحات صحفية، إن "التوقيفات كانت كبيرة ومورس عنف كبير على المحتجين" من الشباب الذين تظاهروا في عدة مدن، "من أجل مطالب عادلة وبسيطة كان من الممكن للدولة أن تجد حلا لها كالصحة والشغل".
وشددت البراهمة على أن المحتجين "ووجهوا بعنف كبير واعتقل عشرات الشباب في مختلف مدن المملكة، وهناك من تم الإفراج عنهم وآخرون لا يزالون موقوفين وسيقدّمون اليوم أو غدا للمحكمة".
وذكرت تقارير إعلامية مغربية، أن عدد الموقوفين في انتظار تقديمهم أمام النيابة العامة بلغ نحو 50 شابا، أغلبهم من مدينتي الدار البيضاء والرباط. وفي قراءتها لهذا التطور، قالت نبيلة منيب، النائبة البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، "إن احتجاجات "جيل زد" تدق ناقوس خطر حقيقي، يتعيّن على الحكومة الإصغاء إليه"، مشيرة إلى أن هذا الجيل وجد نفسه مضطرا إلى التنظيم في تنسيقيات مستقلة "بعدما أُضعفت الأحزاب وفُرغ المجتمع المدني من أدواره الحقيقية".
وأوضحت منيب في حديث مع صحيفة "صوت المغرب"، أن الفوارق الاجتماعية والمناطقية تفاقمت بشكل كبير، إلى جانب تزايد معدلات البطالة وتدني الخدمات العمومية، خاصة في مجالي التعليم والصحة. وأبرزت أن المواطنين يواجهون صعوبات كبرى في الولوج إلى هذه الخدمات حتى في المدن الكبرى، مشيرة إلى تفاقم الأمية والتسرب المدرسي كدليل على فشل السياسات العمومية المعتمدة.
وشددت منيب على أن "الحكم لا يعني التسلط على الناس أو اعتقالهم وقمعهم، بل يعني خدمة مصالحهم"، داعية الحكومة إلى اعتماد مقاربة سياسية واجتماعية حكيمة بدل الإكتفاء بالمقاربة الأمنية. وأكدت أن الحكومات المتعاقبة والدولة العميقة تتحملان جزءاً كبيراً من مسؤولية الوضع الحالي، "بعد أن أضعفتا الأحزاب السياسية وقلصتا من دور الجمعيات"، وهو ما دفع الشباب إلى البحث عن صيغ بديلة للتعبير عن مطالبه.
المثير للإنتباه في هذه الأحداث هو التغطية الكبيرة التي أفردت للأحداث في وسائل الإعلام الدولي، حيث تصدّرت عناوين المواقع الإعلامية والجرائد التي ركّزت على التدخلات الأمنية العنيفة والاعتقالات ولمطالب الشباب الرافض لسياسة الإنفاق على المونديال على حساب الخدمات الصحية.
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عنونت أحد تقاريرها بـ "شباب مغاربة يشتبكون مع الشرطة احتجاجا على الإنفاق على الملاعب وتدهور النظام الصحي"، فيما اختارت صحيفة "إندبندنت" البريطانية عنوان: "مغاربة يشتبكون مع الشرطة خلال احتجاجات على إنفاق كأس العالم".
من جهتها، سلطت قناة "روسيا اليوم" الضوء على المطالب الاجتماعية للشباب تحت عنوان: "المستشفيات قبل الملاعب.. احتجاجات شبابية في المغرب ضد أولويات الحكومة".
كما تناولت كل من وكالة "أسوشيتد بريس" الأمريكية، ووكالة الأنباء الإسبانية "إيفي" وقناة "فرانس 24" العمومية الفرنسية، الحدث مركزة بالأساس على حجم التدخلات الأمنية والعنيفة التي رافقت الوقفات الاحتجاجية. وتقول التقارير إن حوالي 11 مدينة مغربية شهدت احتجاجات شبابية رفعت شعارات تدين "اختلال أولويات الإنفاق" بين التحضير للمونديال والخدمات الاجتماعية الأساسية.
قدّمت وكالة الأنباء الإسبانية، حسب موقع "صوت المغرب"، تفاصيل ميدانية خاصة عن مدينة الرباط، وتحدّثت عن مسارعة السلطات إلى فرض طوق أمني حول أماكن التظاهر، مع تفريق سريع للمشاركين واعتقال العشرات منهم رغم رفعهم شعارات السلمية وعدم حمل أية أجندة سياسية.
فيما ركّزت قناة "فرانس24" في تغطيتها التي كانت مصدرا أساسيا للصحافة الفرنسية، على موضوع الاعتقالات التي قامت بها السلطات المغربية، مع وضعها في مقابل المطالب الاجتماعية للمحتجين. هذا وأعلن شباب حركة "جيل زد" في بلاغ لهم، أنهم سيواصلون الخروج للاحتجاج اليوم الاثنين، مع تغيير تكتيك الإعلان عن أماكن التظاهر إلى آخر لحظة تفاديا للتضييق الأمني.
هذه الاحتجاجات تأتي في سياق حساس تعيشه مملكة محمد السادس الذي يعيش أوضاعا صحية متدهورة، سبغتها حرب مفتوحة في بيان أبناء العائلة المالكة حول من يخلف الملك المريض والتي تجلت في الصراع العلني بين الأجهزة الأمنية المغربية ومن يقف وراء قادتها خارج المملكة، ما يوحي بحجم التفكك والتضعضع الذي وصله النظام المخزني الذي أصبح مفتوحا على كل الاحتمالات.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال