يجد نظام «المخزن» نفسه للمرة الألف، وسط عاصفة تسريبات الهاكر "جبروت"، في خضم الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في 27 سبتمبر الماضي، تنديدا بالظروف المزرية التي بات يعيشها غالبية المغاربة. وفي أحدث تسريباته، استهدف الهاكر جبروت القصر الملكي مباشرة، والفواتير الضخمة لموظفي بلاط "أمير المؤمنين".
وتكشف الملفات التي سربها "جبروت" بعد أيام قليلة من إلقاء محمد السادس خطابه الباهت وغير المقنع والتزامه المثير للجدل باستثمار ملايين الدولارات في بناء الملاعب، عن رواتب 3400 موظف في بيت العائلة المالكة المغربية، موزعين على عشرات القصور والإقامات وممتلكات العائلة الحاكمة في جميع أنحاء المغرب. وحسب الجداول المسربة -التي تتضمن الأسماء وتواريخ بدء العقود والجنسيات وحتى العناوين الشخصية- تتجاوز تكاليف الموظفين 50 مليون يورو. ويبلغ متوسط الراتب في بلاط محمد السادس أكثر من 15 ألف يورو سنويا، أي ثلاثة أضعاف المتوسط الوطني (حوالي 4500 يورو).
هذه النفقات تتجاوز بكثير ميزانية رواتب العائلة المالكة الإسبانية، التي تبلغ حوالي 4 ملايين يورو. فيما تتجاوز الميزانية الإجمالية لمملكة "المخزن" 200 مليون يورو، بعيدا عن 8 ملايين يورو المخصصة للقصر الملكي الإسباني.
وبالمقارنة مع إنفاق العائلات الملكية الأوروبية، لا يُضاهي أي منها إنفاق العائلة المالكة "المخزنية".
وقد تُغذي هذه الأرقام الهائلة تأجيج الاحتجاجات في شوارع المغرب، حيث تُطالب مجموعات من الشباب المغاربة المنظمين عبر الإنترنت منذ 27 سبتمبر بالمال لتحسين الخدمات العامة في قطاعات الصحة والتعليم ومكافحة البطالة المنتشرة بين الخريجين الشباب.
كما يُطالب المتظاهرون الشباب بتدابير للحد من التفاوت الاجتماعي، في الوقت الذي يستثمر فيه «المخزن» ملايين الدولارات في بناء وتجديد الملاعب استعدادا لبطولة كأس العالم 2030، التي يستضيفها المغرب إلى جانب إسبانيا والبرتغال.
وتترافق عودة جبروت إلى الساحة السياسية مع تهديدات لحكومة "المخزن"، تماشيا مع رسائله المعتادة للوزراء ومسؤولي الأمن والمخابرات. وفي هذه الرسالة، التي تكشف عن إنفاق القصر، هدد جبروت قائلا: "جميع أنظمتكم تحت السيطرة"، في تحدّ واضح لمحمد السادس، الذي ظلّ حتى الآن بعيدا عن الاحتجاجات رغم مطالب الشباب بإسقاط الحكومة ومحاربة الفساد داخل النخبة السياسية والاقتصادية.
وأوضح جبروت أن هذا المنشور يأتي ردا على تحدي الملك لمطالب الشباب المغربي بحل الحكومة، وأضاف يقول: "إنه أيضا بمثابة تحذير لأولئك الذين ظنوا أنهم في مأمن من الخطر".
عزيمة الشباب في مواجهة لامبالاة محمد السادس
لتكن المدرجات الفارغة رسالة احتجاج حضارية وقوية، تعكس أولويات الشعب وتطلعاته لمستقبل أفضل. هذه هي دعوة المقاطعة التي أطلقتها مجموعة "جيل زاد 212" احتجاجا على نقص الخدمات العامة الجيدة، وانعدام فرص العمل للشباب، والاستثمارات الفاضحة بملايين الدولارات في الملاعب والبنية التحتية لكأس العالم 2030.
وتم إطلاق دعوات لمقاطعة مباريات كرة القدم، مثل المباراة الأخيرة لأسود الأطلس ضد الكونغو يوم أمس الثلاثاء 14 أكتوبر، والتي أُقيمت في ملعب فارغ.
ولم ينجح خطاب محمد السادس، الجمعة الماضية، في تهدئة الغضب الشعبي الذي أشعل أكبر الاحتجاجات في المغرب خلال السنوات الأخيرة.
ومن بين استراتيجيات المحتجين مواصلة احتجاجاتهم حتى موعد كأس الأمم الإفريقية 2025، التي ستقام في المغرب من 21 ديسمبر 2025 إلى 18 يناير2026.
ودعت حركة "جيل زاد 212" إلى مزيد من الاحتجاجات يوم السبت المقبل، 18 أكتوبر، بالإضافة إلى مقاطعة المنتجات المرتبطة بالنخبة السياسية والاقتصادية، وعلى رأسها، رئيس الوزراء المغربي، رجل الأعمال عزيز أخنوش.
ويحبس نظام "المخزن" أنفاسه، خوفا من أن يرفع الشباب المغربي سقف مطالبه، وخوفا من وصول شرارة الاحتجاجات إلى قصور الملك وعائلته التي أنهكت خزينة مال الشعب المغربي.
كما لا يزال نظام محمد السادس يواجه الشباب المغربي بكل أنواع القمع الهمجي، لإطفاء نار الغضب الشعبي. وفي هذا السياق، أصدرت محكمة الاستئناف في أكادير، جنوب المغرب، اليوم الأربعاء، أحكاما بالسجن تتراوح بين ثلاث وخمس عشرة سنة على ما لا يقل عن خمسة عشر شخصا، بسبب تورطهم المزعوم في الاحتجاجات الشبابية التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد في أواخر سبتمبر، ويشير تقرير صدر مؤخرا عن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إلى أن أكثر من 100 شخص لا يزالون رهن الاحتجاز في ثماني مدن على الأقل، بينما يخضع 264 آخرون للإفراج المشروط.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال