وضعت أزمة خانقة ووجودية غير مسبوقة أوزارها في مالي، بعد سيطرة مجموعات إرهابية مسلحة على سلسلة وحركة توريد الوقود بالعاصمة بالكامل، ما خنق حكم العسكري آسيمي غويتا وجعله يترنح تمهيدا للانهيار، وفق توقعات مراقبين.
ركز مراقبون للشأن الإفريقي اهتمامهم على تطورات وتسارع الأحداث في العاصمة باماكو، الواقعة تحت "حصار" جماعات إرهابية، عملت قطع إمدادات الوقود، بمهاجمة واحتجاز العديد من الشاحنات التي تحمل صهاريج الوقود.
وتحمل هذه التصورات أبعادا سياسية وأمنية واستراتيجية إقليمية خطيرة، مع تساؤلات حول الأهداف من "زحف" المجموعات المسلحة نحو العاصمة، والمآلات المحتلمة في حالة بداية الصدام.
وضمن القراءات والتساؤلات الواردة، يتصور الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى سابقا، بومدين بوزيد، أن "جماعة نُصرة الإسلام والمسلمين" تلتف على باماكو، بعد أن اندمجت فيها جماعات مسلحة تابعة سابقا لـ"القاعدة" و"داعش".
ومظاهر هذا الزحف الذي ينذر بسقوط باماكو، وفق افتراض بومدين في منشور له على "فايسبوك"، اليوم، هو استدامة منع الإمدادات عن سكان باماكو، وسيطرة الجماعات على عدة مناطق في البلاد. وما قاد إلى ذلك، بحسبه، هو "التهور والجنون والانقلابات والمراهقة السياسية التي تجرّ البلاء على الشعوب"، محذرا من مشروع "أفغنة مالي"، الذي يؤدي إلى تشكل تداعيات على الجيران يضيف تهديدات جديدة.
ومن وجهة نظر إقليمية، يرى باكاري سامبي من معهد تمبوكتو للدراسات، ومقره العاصمة السنغالية دكار، أن الدولة المالية "لم تعد تسيطر على أي شيء" على أراضيها و"تركزت قواتها حول باماكو لتأمين النظام".
ووفق تحليل الكاتب الذي نقلته مجلة "جون أفريك"، فإن "تأييد السكان بدأ يتآكل في مواجهة عجز النظام العسكري عن الوفاء بوعده بتوفير الأمن" ويعتقد الكاتب أن أحد الخيارات المتاحة للحكومة هو "التفاوض مع قيادة الجماعة".
وأرجع مراقبون أن تفاقم الأزمة يعود إلى قطع الجزائر علاقتها وغلق مجالها الجوي مع باماكو، بعد تكرار الإساءات والتصريحات العدائية والاستفزازية من السلطات العسكرية الانتقالية منذ أكثر من سنة في عدة منابر، ومنها الأممية. وتقلص هامش التحرك أمام الحكومة الانتقالية على نحو يقترب من الاختفاء تماما، مع شبه انعدام الخيارات، سوى العودة إلى التوافق وإلى المسار التفاوضي واتفاقية السلم والمصالحة لاحتواء الأزمة.
ويرى نشطاء بأن التوترات بين الجزائر ومالي، تسببت في تدهور العلاقات الثنائية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية الأساسية إلى مستويات قياسية في الشمال المالي، حيث أصبحت بعض المواد نادرة.
من جهته، علق رئيس السلطة الانقلابية في مالي، آسيمي غويتا، على أزمة الوقود الحادة التي تعصف بالبلاد، لأول مرة أمس، داعيا السكان إلى ترشيد استهلاكهم في ظل الهجمات المتكررة التي تستهدف شاحنات الإمداد.
وأكد غويتا في خطاب له خلال تدشين منجم لليثيوم، أن الحلول لا تقتصر على الحكومة فقط، بل تبدأ من داخل الأسر. وأضاف غويتا: على الجميع أن يدرك "أننا نمر بمرحلة صعبة تتطلب تقليص التنقلات غير الضرورية".
وسبق أن أعلنت وزارتا التربية الوطنية والتعليم العالي في مالي، في أكتوبر الماضي، تعليق جميع الدروس في البلاد بسبب اضطرابات حادة في التموين بالمحروقات.
وأمام هذا الوضع، حذّرت وزارة الخارجية الفرنسية، أمس الجمعة، من التدهور الأمني الخطير الذي تشهده دولة مالي، داعية رعاياها إلى مغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن، وعدم السفر إلى مالي مهما كان السبب. وأكدت الدبلوماسية الفرنسية أن الطرق الوطنية في مالي أصبحت هدفا لهجمات الجماعات الإرهابية.
بدورها، دعت السفارة الأمريكية مواطنيها إلى مغادرة مالي، وسحبت دبلوماسييها، باستثناء الأساسيين.
محمد الفاتح عثماني
08/11/2025 - 12:01
محمد الفاتح عثماني
08/11/2025 - 12:01
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال