الوطن

استفحال آلية "التصويت بمن حضر" في البرلمان

لم يتوقف الغياب عند الجلسات العامة، بل امتد إلى عمل اللجان.

  • 2366
  • 2:35 دقيقة
الصورة: المجلس الشعبي الوطني
الصورة: المجلس الشعبي الوطني

شهد المجلس الشعبي الوطني في دورته الحالية تأجيل جلسات عامة للمصادقة على مشاريع قوانين واجتماعات لجان متخصصة، على غرار اللجنة الثقافية، وذلك بسبب عدم تحقق النصاب القانوني المطلوب لعقد مثل هذه الاجتماعات.

وقد تجلى هذا الوضع، على سبيل المثال، أمس بمناسبة المصادقة على مشروع قانون يعدل ويتمم القانون رقم 03-02 الذي يحدد القواعد العامة للاستعمال والاستغلال السياحيين للشواطئ، في مشهد متكرر لجلسة التصويت على القانون العضوي المتعلق بتسوية الميزانية يوم 16 جوان الجاري، حيث تم رفع الجلسة وتأجيلها لمدة ساعة كاملة، تمهيدا لاستخدام آلية "التصويت بمن حضر" التي يقرها النظام الداخلي في مادته 58، فتم تمرير القانونين بحضور عدد محدود من النواب دون مراعاة الأصل القانوني الذي يشترط مشاركة الأغلبية المطلقة في حالة القانون العضوي.

وتنص المادة 58 بوضوح على أن مناقشات المجلس تصح "مهما يكن عدد النواب الحاضرين"، لكنها تشترط للتصويت في الجلسة الأولى "حضور الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس"، أي أكثر من نصف النواب، وإذا تعذر ذلك ترفع الجلسة وتعقد جلسة ثانية في أجل يتراوح بين 6-12 ساعة، يصبح فيها التصويت صحيحا "مهما كان عدد الحاضرين" ويُسمح بإتمام عملية التصويت "بمن حضر".

ولم يتوقف الغياب عند الجلسات العامة، بل امتد إلى عمل اللجان، كما حدث مع اللجنة الثقافية التي اضطرت لتأجيل اجتماعها يوم 19 جوان الجاري بسبب حضور مجموعة صغيرة من النواب فقط، في جلسة خصصت لدراسة التعديلات المقترحة على مشروع قانون الاستغلال السياحي للشواطئ .

وقد يرتبط الغياب بطبيعة المشروع وقلة التعديلات المقترحة أو بانشغال بعض النواب بتكوينات أو مهام في الخارج أو بأداء فريضة الحج، غير أن ذلك لا يعفيهم من مسؤوليتهم السياسية والأخلاقية في التفرغ لأداء واجبهم التمثيلي، خاصة عندما يتعلق الأمر بمشاريع قوانين تؤطر مجالات إستراتيجية.

وتنص المادة 40 من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني على أنه تصح مناقشات اللجان الدائمة مهما كان عدد النواب الحاضرين لكن لا يصح التصويت داخل اللجان الدائمة إلا بحضور أغلبية الأعضاء، في حالة عدم توفر النصاب تعقد جلسة ثانية في أجل ست ساعات، ويكون التصويت حينئذ صحيحا مهما كان عدد الأعضاء الحاضرين.

وتعيد هذه المواقف النقاش حول ضرورة تفعيل عقوبات تأديبية ضد النواب المتغيبين دون مبررات قانونية، وقد طرح فعلا في وقت سابق عبر مشروع تعديل النظام الداخلي للبرلمان الذي لا يزال عالقا مقترح بفرض إجراءات صارمة تصل إلى التجميد المؤقت للعضوية داخل اللجان والحرمان من المشاركة في المهمات الدبلوماسية أو الترشح لعضوية هياكل المجلس. 

وتنص المادة 156 من مسودة تعديل النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني على أنه إذا تكرر غياب النائب ثلاث مرات متتالية خلال الدورة البرلمانية نفسها من دون عذر مقبول، يحرم من الترشح لأي منصب في أجهزة المجلس وهيئاته في التجديد السنوي المقبل.

كما تضمنت مسودة النظام الداخلي مواد تلزم النواب بالحضور المنتظم وتفرض خصما من رواتبهم في حال التغيب غير المبرر، وفقا للمادتين 68 و69، غير أن هذه الإجراءات لم تفعّل وظلت حبيسة النقاشات الشكلية.

وفي أكثر من مرة، بدا المجلس الشعبي الوطني أشبه بقبة فارغة، خاصة أن أغلب النواب يعتمدون على سياسة مغادرة القاعة بعد قراءة المداخلات. ويرى متابعون أن ظاهرة تغيب النواب عن حضور جلسات وعدم المشاركة في الأشغال ظاهرة غير صحية تسيء للعمل البرلماني بصفة عامة وتمس بسمعة المؤسسة الدستورية وتضعف الثقة بين المواطنين وممثليهم، بالمقابل يؤكد النواب أنهم ليسوا ملزمين بالبقاء في المجلس طوال الجلسات بالنظر لارتباطهم بمهام حزبية وانشغالات ونشاطات أخرى خارج المجلس، ترتبط بمهامهم النيابية.