الوطن

الجزائر في مرمى حملات التشويه

التهميش أيضا لم يقتصر على تجاهل جلسات مجلس الأمن، بل امتد، مؤخرا، إلى محو ذاكرة البطولات الجزائرية السابقة.

  • 5329
  • 3:50 دقيقة
وفد الجزائر، برئاسة وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية، خلال مشاركته في أشغال الجمعية العام للأمم المتحدة، الصورة: وزارة الخارجية.
وفد الجزائر، برئاسة وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية، خلال مشاركته في أشغال الجمعية العام للأمم المتحدة، الصورة: وزارة الخارجية.

تجد الجزائر نفسها، اليوم، في مواجهة مشهد استثنائي، يتمثل في تكالب إعلامي منظّم يسعى لطمس الحقائق وتهميش تضحياتها في الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية والإفريقية العادلة. لقد بدا واضحا أن التكالب الإعلامي الممارس ضد الجزائر هو جزء من معركة مشبوهة تستهدف رمزية الجزائر ومكانتها في الضمير العربي والإنساني. فالبلد الذي ظلّ وفياً لفلسطين ولكل قضايا الأمة، يجد نفسه اليوم عرضة لحملات تشويه تُفرغ بطولاته التاريخية والدبلوماسية من معناها وتُحجّم إسهاماته الكبرى في اللحظات المفصلية من تاريخ المنطقة.

منذ انتخاب الجزائر عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي قبل عامين والتي تزامنت مع حرب الإبادة الوحشية التي تتواصل على قطاع غزة، تحرك دبلوماسيتها بخطى ثابتة دفاعاً عن القضية الفلسطينية، مجسدة بذلك إرثها الثوري ومواقفها الثابتة من قضايا الأمة. فقد كانت الجزائر الصوت الأعلى في المحافل الدولية، تدين الاحتلال الإسرائيلي، ترفض ازدواجية المعايير الغربية وتعيد إلى الواجهة حقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال والحرية. غير أن هذا الدور الكبير الذي سبقه بذل وعطاء وجهاد في الأراضي العربية المحتلة، لم يجد صداه في وسائل الإعلام العربية التي التزمت صمتاً مريبا أو تعاملاً هامشياً أقرب إلى التعتيم المتعمد.

خلال هذين العامين، حملت الجزائر فلسطين إلى قاعة مجلس الأمن، في كل مناسبة طرحت مشاريع قرارات لوقف العدوان على غزة، طالبت بالحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ونددت بجرائم الاحتلال التي وثّقتها المنظمات الأممية وعندما عجز المجلس بفعل الفيتو الأميركي المتكرر، وقفت الجزائر بشجاعة لتفضح عجز النظام الدولي عن حماية الإنسان الفلسطيني.

وبالرغم من إشادة دبلوماسيين دوليين وخبراء قانونيين من خارج المنطقة العربية وأحرار العالم، الذين اعتبروا أن الجزائر لعبت دور "صوت الضمير العربي" داخل المجلس، إلا أن هذه المواقف لم تُترجم إلى تغطية إعلامية وافية في الفضاء العربي، بل تم تهميشها بشكل يثير التساؤلات.

وبدل أن يُبرز الإعلام العربي هذا الجهد الدبلوماسي الذي قاده مندوب الجزائر الدائم في الأمم المتحدة، عمار بن جامع، ومن معه، انشغل بترديد خطابات رسمية عربية تلمّع  أطرافا مطبّعة متواطئة مع الاحتلال، ولذلك بدا الأمر كما لو أن هناك إرادة سياسية ـ إعلامية لإبقاء الجزائر في الظل، وعدم منحها مكانتها الطبيعية كدولة تحمل لواء فلسطين بصدق وجرأة أمام تهديدات علنية لممثل الكيان الصهيوني في مجلس الأمن الدولي.

هذا التهميش لم يقتصر على تجاهل جلسات مجلس الأمن، بل امتد، مؤخرا، إلى محو ذاكرة البطولات الجزائرية السابقة، من دعم الثورة الفلسطينية بالسلاح والمال، إلى المشاركة في حرب أكتوبر، وصولاً إلى إعلان قيام دولة فلسطين إلى المبادرات السياسية التي احتضنتها الجزائر لصالح وحدة الصف الفلسطيني وإنهاء الإنقسام، بل واحتضان مختلف ممثلي فصائل المقاومة الفلسطينية.

لماذا يزعج صوت الجزائر؟

قد يُفسر هذا التجاهل في ضوء التحولات الإقليمية الراهنة، أن الجزائر تكون قد أفسدت، بخطابها وثباتها، اللعبة المرسومة في المنطقة وخاصة ما تعلق بمشاريع التطبيع التي "هرول إليها" الفضاء العربي، كما سبق للجزائر وأن عبّرت عنه قبيل اندلاع حرب الإبادة الجارية في غزة.

وليس ذلك فقط، بل خاضت الجزائر خلال السنوات الأخيرة معركة دبلوماسية حاسمة داخل القارة الإفريقية ضد محاولات إسرائيل فرض وجودها في الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، وقد قاد جهازها الدبلوماسي تحركات واسعة نجحت بمساعدة دول تحررية في تجميد هذا القرار سنة 2022. مؤكدة وفاءها التاريخي لفلسطين ورفضها لأي شكل من أشكال التطبيع المقنّع.

غير أن هذه الجهود الكبيرة جرى التعتيم عليها في الإعلام العربي، إما بدافع تجاهل مقصود لتقزيم الدور الجزائري، أو بسبب انشغال بعض الأنظمة العربية بمسار التطبيع، بل والشراكة مع الاحتلال لتمزيق الجغرافيا العربية والإفريقية تمهيدا لنهب ثرواتها وتثبيت المشروع الاستعماري الجديد.

إقليميا، وبالرغم من الحملة العدائية المتواصلة من السلطات الإنقلابية المالية التي لم تتردد في توجيه اتهامات باطلة ودعوات استفزازية ضد الجزائر في مختلف المحافل الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، تركت الجزائر وحيدة في مواجهة حملات التشويه والتحرش السياسي، في وقت كانت فيه تنتظر كلمة حق من أشقائها العرب من باب رد جميلها ووفاء لتضامنها غير المشروط والفوري مع الأشقاء، من الخليج إلى المحيط في كل أزماتهم ومحنهم على الأقل من باب الإعتراف بوزنها التاريخي ودورها الاستراتيجي في استقرار الساحل و تضامنها مع الشعوب المجاورة وتعزيز المقاربة التنموية لصالحهم.

وقبل ذلك وجدت الجزائر نفسها على مدى عامين كاملين وحيدة في مواجهة مباشرة مع أشرس الحملات الإعلامية والسياسية التي قادها اليمين المتطرف الفرنسي، مستهدفاً تاريخها، تضحياتها ومكانتها. هذه الحملات التي غذّتها خطابات شخصيات سياسية معادية لكل عربي ومسلم مثل إيريك زمور ومارين لوبان وروتايو وبارديلا وإيفان ريوفول وزمرتهم الاستعمارية.

ففيما بقيت الجزائر تتلقى الضربات والاستفزازات المتطرفة، غاب التضامن العربي الإعلامي بشكل شبه تام أمام أشرس تصعيد من رموز سياسية وإعلامية لدولة استعمارية سابقة ارتفع فيها خطاب الكراهية والاستعلاء الاستعماري وخفت الصوت العربي الإسلامي الموحد.

ورغم محاولات الحجب والتجاهل، تبقى المواقف الجزائرية حاضرة في أرشيف الأمم المتحدة وموثّقة في بياناتها الرسمية، كما أن شهادات الإعلاميين الدبلوماسيين وأحرار أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا أنفسهم، تؤكد أن الجزائر كانت ولا تزال "المدافع الأول" عن القضايا العربية والإفريقية، محاولة حشد الدعم لحل أزمات ليبيا والسودان والساحل والقرن الإفريقي وعمق القارة، دون نسيان الأزمة السورية واللبنانية واليمنية والتضامن مع إيران وقطر وغيرها داخل أروقة المجلس.