يشير تفاقم الإرهاب في منطقة الساحل إلى أزمة تتجاوز حدود الدول، وتكشف حالة من التغافل الدولي يصعب تفسيرها، وهو ما يضع القارة أمام تهديدات مركبة تزداد خطورتها مع مرور الوقت.
وقال المختص في الشؤون الاستراتيجية، رشيد علوش، تعليقا على تحذير وزير الشؤون الخارجية، أحمد عطاف، من لوندا حول تنامي آفة الإرهاب في إفريقيا ومنطقة الساحل، إن الجزائر أدركت مسبقا التراجع المستمر في الجهود الدولية والإقليمية وضعف آليات الاستجابة والقيادة للدعم الدولي لمكافحة الإرهاب العالمي.
وأضاف في تصريح لـ"الخبر" أن هذا التراجع خلق فراغا استغلته المجموعات المتطرفة لزيادة قدراتها الإرهابية، مشيرا إلى أن هذه القدرات لم تعد تقتصر على مجموعات إرهابية فحسب، بل أصبحت تمتلك جيوشا إرهابية نشرت عدم الاستقرار في جميع أنحاء القارة الإفريقية.
وأشار علوش إلى أن هذه الجماعات الإرهابية استفادت من الفتور الدولي لمحاربة الظاهرة الإرهابية، والتي أصبحت قادرة على توظيف التكنولوجيا في ممارسة ودعم نشاطها الإرهابي، سواء عبر مراكمة ترسانتها من السلاح، أو عبر تضخم أعداد منتسبيها وتعزيز قدراتها المالية والتمويلية التي تتقاطع مع أنشطة الجريمة المنظمة.
ولفت علوش أيضا إلى دخول أطراف دولية ثالثة في تمويل هذه المجموعات من خلال دفع الفدية بمبالغ كبيرة، مما يعزز من قدرات هذه الجماعات ويجعل من منطقة الساحل بيئة خصبة للأنشطة الإرهابية.
وأوضح علوش أن هذه المؤشرات الخطيرة التي عززت نشاط الإرهاب في منطقة الساحل دفعت الجزائر منذ أكثر من خمس سنوات للتحذير المستمر من تحول إفريقيا إلى بؤرة للإرهاب العالمي العابر للحدود الوطنية.
وأشار إلى ضرورة تطوير آليات استجابة دولية وإقليمية جديدة من داخل مجلس الأمن الدولي، وفي كافة المنصات الدولية متعددة الأطراف. وأضاف أن المؤشرات العالمية للإرهاب تؤكد أن 51٪ من الوفيات المرتبطة بالإرهاب العالمي وقعت في منطقة الساحل في عام 2024، وهو ما يعكس حجم الخطر المتزايد في المنطقة.
وتابع المحلل السياسي أن الوضع أصبح أكثر تعقيدا، إذ أصبحت المجموعات الإرهابية في الساحل قادرة على ممارسة نوع من الحكم المحلي في المناطق الطرفية التي لا تصل إليها سلطة الدولة، مشيرا إلى أن أكثر من 65٪ من أراضي بوركينافاسو ومالي أصبحت خارج سيطرة الدولة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.
وأشار أيضا إلى أن الانقلابات العسكرية التي شهدتها بعض دول الساحل أدت إلى خلق فراغات أمنية وأزمات معقدة استفادت منها المجموعات المتطرفة في تعزيز نشاطاتها الإرهابية. وأضاف أن الصمت الدولي أو التراجع والفتور في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي رغم جميع التحذيرات الجزائرية وبالأرقام حول تفاقم خطر الظاهرة يمكن تفسيره من خلال زيادة حدة التنافس الجيوسياسي الحاد في المنطقة، مما أدى إلى تعطيل الآليات التعاونية متعددة الأطراف.
وأوضح علوش أن كل طرف يسعى لتعزيز نفوذه دون أن يأخذ في الاعتبار شواغل المنطقة الأمنية، مشيرا إلى أن الوضع أصبح غير قابل للنظر إليه بشكل طبيعي في ظل عودة أنشطة دفع الفدية بمبالغ كبيرة، مما يعزز من عدم الاستقرار في المنطقة.
وأردف علوش قائلا إنه لا يمكن إغفال جانب مهم جدا في هذا السياق، وهو عمل بعض القوى الدولية التي تسعى إلى إشعال المنطقة استهدافا لأمن الجزائر القومي وتقويضا لاستقرار المنطقة ككل، وهو ما ينظر إليه على أنه تخطيط مسبق لزعزعة استقرار المنطقة بما يخدم مصالح هذه القوى. كما يعد تغيّر أولويات القوى الكبرى أحد أبرز أسباب التغافل، إذ انصرفت الأنظار نحو ملفات استراتيجية أخرى مثل الحرب في أوكرانيا والصراع على النفوذ في آسيا والشرق الأوسط، كما أن الإنهاك الذي أصاب هذه القوى بعد سنوات طويلة من "الحرب على الإرهاب" جعل التدخل في الساحل عبئا غير مرغوب فيه، ما أدى إلى انسحاب تدريجي وترك فراغ أمني كبير لا تزال تداعياته تتفاقم.
ويتزامن هذا مع غياب رؤية دولية موحدة لمعالجة الأزمات في إفريقيا. فالمنظمات الدولية، رغم حضورها الخطابي، تعاني من تضارب في المقاربات بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ما تسبب في بطء واضح وفشل في صياغة استراتيجية جماعية فعّالة. كما ساهم تنافس القوى الدولية التقليدية والجديدة على النفوذ الاقتصادي والعسكري في القارة في تشتيت الجهود، حيث طغت حسابات المصالح على معالجة جذور التطرف وانهيار الدولة في مناطق الساحل.
وفي هذا السياق، جاءت تصريحات وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، لتعكس رؤية جزائرية واضحة ومباشرة تحمّل المجتمع الدولي جزءا من المسؤولية. فقد أكد أن الإرهاب في الساحل "عاث فسادا وجرما"، في وقت يسود فيه صمت دولي غير مفهوم، وهو توصيف يحمل دلالة سياسية قوية، مفادها أن تجاهل هذا الخطر لم يعد مجرد تقصير بل تقاعس يترتب عليه مخاطر لا تقتصر على إفريقيا، بل قد تمتد نحو المتوسط وأوروبا.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال