+ -

شغل الجزائريين عودةُ وزير الطاقة السابق شكيب خليل إلى البلاد، بعد 3 سنوات من مغادرتها نحو الولايات المتحدة الأمريكية، إثر اتهامه بالفساد، بعد عقد صفقات “مشبوهة” بين شركة المحروقات الجزائرية “سوناطراك” وشركة “سايبام” الإيطالية عامي 2008 و2009. عودة لم تخطر في بال الجزائريين، خاصة بعد الاستقبال الرسمي الذي حظي به في مطار السانية بوهران. شكيب خليل.. رجل كان فيما مضى صاحب أكبر نفوذ في الجزائر، فسياسته في تسيير مؤسسة سوناطراك التي اعتبرها الكثير ناجعة، بعد رفع إنتاج النفط خلال فترة ترؤسه المؤسسة، أهَّلته لأن يصبح الرجل الأول في وزارة الطاقة، وهو يعد من قلائل الإطارات خريجي جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، فسيرته الذاتية “المشرفة”، حسب البعض، دفعت العديد من قادة الأحزاب والإطارات الحكومية للاعتراف بأن شكيب يعد من أكفأ الإطارات الجزائريين الذين مروا على قطاع المحروقات، رغم “الفضائح” التي لاحقته ولا تزال تلاحقه، بعد اتهامه بالفساد وارتكاب أفعال أضرت بالاقتصاد الوطني، وإصدار مذكرة توقيف دولية في حقه.ملف معقد عجز أصحاب الاختصاص عن كشف أسراره، ليبقى سؤاله مطروحا، كيف يرتكب مسؤول بمرتبة وزير أفعالا تضر بالاقتصاد الوطني، ويُقدم في وسائل إعلام بلده على أنه مفسد، وبعد سنوات قليلة يستقبل في المطار استقبالا رسميا؟سيرته الذاتيةشكيب خليل، من مواليد 8 أوت 1939 بمدينة وجدة المغربية، وهناك من نسب مكان ازدياده إلى الجزائر العاصمة، حصل في 1968 على شهادة دكتوراه في الهندسة النفطية من جامعة تكساس بالولايات المتحدة الأميركية.تقلد منصب وزير الطاقة والمناجم في ديسمبر 1999، حيث كانت مؤسسة “سوناطراك” آنذاك تحت إدارة عبد الحق بوحفص، ليقوم بإعفائه من مهامه سنة 2000، ويتكفل شخصيا بالرئاسة الانتقالية للشركة.وفي مساره المهني، عمل شكيب خليل بشركة “شال أويل” و “فيليبس بيتروليوم” في أوكلاهوما بالولايات المتحدة الأمريكية، وعين بعدها في “در ماكودر” وشركائها في ولاية تكساس. وعمل رئيسا لوحدة الطاقة لأميركا الجنوبية.وفي سنة 1971، عاد إلى الجزائر والتحق بدائرة الهندسة البترولية في “سوناطراك”، وأصبح رئيسا لـ “لالكور”، وهي مشروع مشترك بين شركة “سوناطراك” ومخابر “كور”.وبين سنتي 1971 و1973، أصبح مستشارا تقنيا للرئيس الراحل هواري بومدين، حيث تولى رئاسة وإدارة مشروع “فالهيد الجزائري” لتخطيط وتطوير وتمويل موارد المحروقات.في سنة 1980 انضم إلى إطارات البنك العالمي، حيث شغل منصب مستشار مشرف على مشاريع بترولية في إفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا، ورُقِّي أيضا إلى منصب رئيس دائرة الطاقة للبنك الدولي بأمريكا الجنوبية، قبل أن يعود سنة 1999 إلى الجزائر كمستشار للرئيس بوتفليقة.وراء شكيب خليل.. نجاة عرفاتعندما هاجر وزير الطاقة السابق شكيب خليل إلى الولايات المتحدة عام 1964 لإكمال دراسته بها، وكان في سن الـ25، تعرّف على عائلة فلسطينية الأصل تنحدر من مدينة الخليل. وفي سنوات دراسته الجامعية، تعرف على شابة من العائلة ذاتها تدعى نجاة عرفات تصغره بسنتين، مولودة بالولايات المتحدة. ولم يكن اختصاص البترول بعيدا عن اختصاص هذه الطالبة العربية التي اختارت الفيزياء النووية، لتتطور العلاقة إلى زواج أنجب منه “سيناء” الذي سُمي كذلك لأنه من مواليد حرب الاستنزاف أواخر الستينات.وتشير مختلف التقارير الصحفية والتحليلات إلى أن زوجة شكيب خليل الفلسطينية الأصل والأمريكية الجنسية هي التي حمته، خاصة أن الولايات المتحدة، في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما بالخصوص، استغلتها لتمرير سياساتها في الشرق الأوسط، عبر جمعية تسمى “فريق العمل الأمريكي من أجل فلسطين” التي يرأسها زياد العسلي، وهي جمعية تعترف بإسرائيل وتسمي الاستشهاديين بالإرهابيين، وباركت وضع منظمة “حماس” في قائمة الإرهابيين، هذه المؤسسة كرمت 3 أمريكيين من أصول فلسطينية، وهم الدكتوران فؤاد جبران وشبلي تلحمي، إضافة إلى زوجة وزير النفط السابق نجاة عرفات، قبل أن تنضم لهذا الفريق، حيث كرّمها الجنرال جيمس جونز القائد السابق لحلف الناتو، وقال في حفل التكريم عام 2010 إنه يمثل الرئيس أوباما، وتحدثت نجاة عرفات في التكريمية، وقالت إن والدها ربّاها على طلب السلام، وساعدها على النجاح، ثم تكلم زوجها شكيب خليل الذي قال إنه فخور بزوجته وبأمريكا.قانون المالية 2005 أول عاصفة لشكيب خليلكشف البنك الدولي في تقرير سري يحمل رقم 25828 الخاص بالجزائر، أن القرض الذي منحه للجزائر في مارس 2003 لإعداد قانون المحروقات 05-07، والذي قدمه وزير الطاقة السابق شكيب خليل واستمات في الدفاع عنه، كان هدفه الوحيد هو خوصصة قطاع الطاقة، فالقانون “المستوحى” من النموذج الأميركي وضع مؤسسة “سوناطراك” التي تعتبر أول شركة نفطية في إفريقيا والثانية في العالم في نفس مستوى الشركات الأجنبية الأخرى، وسمح لها بالدخول في منافسة معها للحصول على امتيازات نفطية في البلاد.وتميز هذا القانون أيضا بمنح الشركات الأجنبية إمكانية امتلاك حقول نفطية بنسبة 100%، من خلال عقود البحث والتنقيب التي حلت محل عقود تقاسم الإنتاج. لكن هذا القانون واجه انتقادات حادة واتُّهم بأنه يبيع البلد ومقدراته، فسقط في النهاية دون أن يطبق. وجرى استبداله بقانون 2006 الذي بموجبه حصلت 3 استدراجات لعروض كانت المشاركة الدولية فيها ضعيفة، وأدت إلى منح 9 حقول ذهبت في غالبيتها إلى شركة “سوناطراك”.الشركة الإيطالية “سايبام” وملف الفسادبرزت شركة “سايبام” الإيطالية، المختصة في أشغال الهندسة المرتبطة بالمحروقات في السوق الجزائرية، في عهد وزير الطاقة السابق شكيب خليل، حيث تحولت الشركة إلى “الذراع الأيمن” للوزير، وحصلت خلال 3 سنوات فقط على صفقات ومشاريع لم تحظ بها أي شركة أخرى من قبل، حيث ظفرت “سايبام” بمشاريع وصفقات في قطاعي النفط والغاز بلغ عددها 8 مشاريع، وذلك بعد حل شركة “بي أر سي” الأمريكية التي تعرضت لاعتداء إرهابي سنة 2006، فكان لها الفضل في بروز “سايبام” كشركة عظمى في مجال المحروقات وكمتعامل ضخم في سوق المحروقات الجزائرية، فقد بلغت قيمة الصفقات التي حازت عليها هذه الأخيرة نحو 11 مليار دولار في الفترة ما بين 2006 و2009، في وقت كانت الشركة قبلها لا تقدر على تلبية طلب مشاريع السوق الجزائري التي لم تتعد قيمتها 30 مليون دولار.واستمرت “سايبام” في الصعود بطريقة غير مسبوقة وقياسية ومثيرة للشكوك، خاصة أن السوق الجزائري لم يعرف حالة مثلها من قبل، لتفجر الفضائح في “سوناطراك” الواحدة تلو الأخرى منذ نهاية ديسمبر 2009.واللافت أن كل قضايا الفساد برزت في عهد إشراف “العائد” شكيب خليل على وزارة الطاقة والمناجم، بعد أن جمع بين “سوناطراك” والوزارة الوصية، في حين لم يستطع أي وزير من قبل فعلها، وما إن بدأ طفو الجثث على السطح حول شركة “سوناطراك” والعقود التي أبرمتها مع عدة شركاء أجانب، حتى تفجرت فضائح فساد “سوناطراك” وشركائها الإيطاليين لدى القضاء الإيطالي، ممثَّلا في الادعاء العام لمحكمة ميلانو الذي فتح تحقيقا في أنشطة “سايبام” في الجزائر شهر فيفري 2011، لتبدأ خيوط العملية تنكشف لدى الطرف الإيطالي.وشيئا فشيئا انتشر اسم شكيب خليل لدى محققي الادعاء العام في محكمة ميلانو، وانكشفت اللقاءات المتعددة لشكيب خليل مع مسؤولي الشركات المتعددة الجنسيات، خصوصا الإيطالية منها، في وقت ظل خليل بعيدا عن العدالة الجزائرية، رغم التحقيقات القضائية التي باشرتها العدالة الجزائرية في قضية الفساد في شركة “سوناطراك”، لكن اسم شكيب خليل لم يظهر له أثر في التحقيقات، وهذا رغم مطالب محامي الدفاع حضوره كشاهد رئيس في القضية.كرونولوجيا الصراع مع القضاء الجزائرينهاية 2012: فجر القضاء الإيطالي فضيحة ثانية هي “سوناطراك 2”، استدعت القضاء الجزائري لبدء جملة من التحريات.10 فيفري 2013: قاضي التحقيق في القطب الجزائي المتخصص بسيدي أمحمد يفتح تحقيقا في قضية “سوناطراك 2” حول فساد محتمل طال عقودا من الزمن، بين مجموعة “إيني” الإيطالية وشركة “سوناطراك” الجزائرية، بعد ورود اسم وزير الطاقة الأسبق في التحقيق القضائي المفتوح في إيطاليا، بخصوص رشاوى تقدر بـ256 مليون دولار تداولها إطارات شركة “سايبام” في صفقات استفادت منها الشركات الإيطالية في الجزائر.28 مارس 2013: شكيب خليل يغادر التراب الوطني عبر مطار وهران باتجاه سويسرا رغم صدور قرار بمنعه من مغادرة تراب الوطن، حيث قامت الضبطية القضائية للدياراس بتفتيش بيته في وهران مباشرة بعد مغادرته له، كما وضعت العدالة مسكنه في الجزائر العاصمة تحت الحجز وقامت بتشميعه. 12 أوت 2013: النائب العام لمجلس قضاء العاصمة بلقاسم زغماتي يعقد ندوة صحفية طارئة بخصوص مستجدات ما يسمى فضيحة “سوناطراك 2”، وتطرق إلى موضوع المتابعة القضائية التي باشرتها النيابة ضد الوزير الأسبق للطاقة والمناجم شكيب خليل وزوجته وابنيه، وكذا رجل الأعمال فريد بجاوي، ورئيس ديوان الوزارة رضا هامش وآخرين، واتهامهم بجرائم خطيرة مست سيادة البلاد وهزت اقتصادها، من بينها إدارة منظمة إجرامية عابرة للحدود، وإدارة جمعية أشرار، والرشوة واستغلال النفوذ وتبييض الأموال، ليكشف النائب العام عن إصدار أوامر دولية بالقبض من طرف قاضي التحقيق للقطب الجزائي المتخصص، قبل أسبوعين من عقد الندوة الصحفية، ضد شكيب خليل وزوجته وابنيه و5 متهمين آخرين، كما أعطى بعض التفاصيل الهامة حول مجريات التحقيق والمعلومات المحصل عليها في إطار التعاون القضائي مع بعض الدول كإيطاليا وفرنسا وسويسرا، وأفصح عن وجود شبكة واسعة لحسابات بنكية عبر العديد من الدول مزودة بملايين الدولارات، وكذا شراء العديد من العقارات في أوروبا، معلنا عن حجز أملاك المتهمين وتجميد حساباتهم البنكية في الجزائر. “العائد”عاد شكيب خليل إلى أرض الوطن، وحظي باحتفال “الأباطرة” لدى دخوله من المنصة الشرفية لمطار السانية بوهران، رغم ما يحمله ملفه من قضايا، إلا أن عودته أسالت الكثير من الحبر، خصوصا أن الشعب الجزائري كان ينتظر أن يُجلب إلى العدالة مكبلا بالأغلال، لكنه اصطدم بالاستقبال الرسمي الذي حظي به، ولسان حالهم: هل عودة الرجل إلى الجزائر حماية له من المتابعات القضائية الدولية؟ أم عودة بريء من رحلة استجمام؟

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات