+ -

لا يبدو أن الجزائريين، لمن كان يراهن على عامل الوقت لإضعاف الحراك، عازمون على ترك الشوارع والساحات والميادين لإسماع صوتهم السياسي الذي ظل مكبوتا لسنوات طويلة. ذلك ما أظهرته جمعة أمس التي لم تمنع أمطارها الغزيرة المواطنين من الخروج بالملايين في كل الولايات، لتجديد رفض أجندات السلطة، من تمديد لعهدة الرئيس الحالي أو ما يسمى بالندوة الوطنية التي يريد الإشراف عليها للقيام بالإصلاحات التي تجاهلها طيلة فترة حكمه. وقد عبّر الجزائريون، كعادتهم بإبداع، عما يخالجهم عبر شعارات، وقد تنوعت الأساليب من السخرية والفكاهة إلى الاحتجاج، إلى الاعتراض على أي تدخل أجنبي أو استقواء بالخارج، راسمين لوحة فسيفسائية جميلة تعبر عن التنوع والاختلاف الكبيرين في البلد، وتؤكد في نفس الوقت على وحدة المطالب. ولم يعد على النظام، وفق الإصرار والعزيمة الفلاذية التي تطبع الجزائريين، إلا الاستجابة لمطالبهم وتجنيب البلاد ما يرفضه شعبها السيد بنص الدستور الذي وضعته السلطة نفسها، إذ ليس معقولا الاستمرار في تجاهل كل هذه الملايين وتغليب مصلحة جماعة بعدد الأصابع، وفق ما ترفعه شعارات المحتجين، من تبسة إلى مغنية ومن العاصمة إلى تينزاواتين. لقد كانت المليونيات التي خرجت في جمعة “ترحلوا ڤاع” بمثابة خامسة الشعب التي هزت عرش النظام.رغم الأمطار وسوء الأحوال الجويةالملايين بالشرق يطالبون بوتفليقة بالرحيل ويرفضون التدخل الأجنبيلم تثن الأمطار الغزيرة التي تهاطلت، أمس، على معظم ولايات الشرق، الملايين من المواطنين من الخروج إلى الشارع لتجديد رفضهم القاطع لاستمرار بوتفليقة ومحيطه في الحكم، حيث خرجت حشود أغلقت شوارع كبريات المدن، وكلها بصوت واحد “لا تمديد، لا نريد حكم العصابات”.خرج مئات الآلاف من القسنطينيين بعد صلاة الجمعة، مجددين عهدهم بعدم العودة إلى المنازل قبل رحيل بوتفليقة وكل الطبقة الحاكمة في البلاد، حيث امتلأت الشوارع عن آخرها، بعد أن فاق عدد المتظاهرين 600 ألف شخص، رجالا، نساء، شيوخا وأطفال. وخرجت عائلات بأكملها، في حراك سلمي، وكلهم بصوت واحد “لا لاستمرار بوتفليقة”، كما جددوا رفضهم لجولات نائب الوزير الأول في الدول الغربية، ما اعتبروه استقواء بالدول الأجنبية على إرادة الشعب، مطالبين كلا من الوزير الأول ونائبه وحتى الإبراهيمي بالرحيل، رفقة بوتفليقة والسعيد، لأن الشعب هو السيد وقد قال كلمته.وجدد مواطنو ولاية ميلة العهد مع مسيراتهم الأسبوعية، وخرجوا في حشود كبيرة فاقت الأربعين ألف متظاهر، دوت حناجرهم أرجاء الولاية وصوتهم واحد “لا للتدخل الأجنبي”، حاملين شعارات تنديد بجولات لعمامرة نحو عدد من العواصم الأوروبية طالبا النجدة. واغتنم المتظاهرون المسيرة للرد على والي ميلة الذي دعا المواطنين لتعيين ممثلين عنهم، وقالوا له: ميلة عصية عليكم ولا تريد أي وصاية أو تمثيل يأتي منكم. وعرفت ولاية الطارف أكبر مسيرة سلمية في الجمعة الخامسة للحراك الشعبي. وحاول مناضلون ومنتخبون محليون لأحزاب الموالاة التسلل وسط المتظاهرين، ما أثار استنكار ورفض المواطنين، وكادت الأمور تنزلق إلى فوضى وسط الصفوف الداخلية للمسيرة، غير أن أعيان وكبار الحراك تدخلوا وطلبوا من المواطنين إخلاء سبيل الراكبين الجدد من الموالاة، لأن الغربال سيلفظهم ويرميهم في مزبلة التاريخ.كما خرج الآلاف من الڤالميين في مسيرات سلمية حاشدة، بعد صلاة الجمعة، للمطالبة برحيل جميع رؤوس النظام القائم، ورئيس الوزراء المعين مؤخرا نور الدين بدوي ونائبه المكلف بالشؤون الخارجية رمطان لعمامرة والأخضر الإبراهيمي. ولم تمنع برودة الطقس من خروج سكان مدينة باتنة والمدن المجاورة لها، فيما لم يقدر الآلاف من سكان البلديات البعيدة وكذا الجبلية على الالتحاق بمسيرة أمس، التي عرفت مشاركة عشرات الآلاف من المواطنين من كل الأصناف.وشهدت مدينة خنشلة، أمس، رغم امتلاء الطرق والأرصفة بالثلوج، مسيرة حاشدة للجمعة الخامسة على التوالي للمطالبة بتجسيد مطلب الشعب الوحيد الذي يتمثل في رحيل النظام قبل نهاية العهدة الرئاسية الرابعة وسط طوق أمني كبير.وفي سكيكدة، خرج، أمس، الآلاف من سكان الولاية في مسيرة سلمية حاشدة، انطلقت من ملعب 20 أوت 55 وجابت ممرات 20 أوت 55 مرورا بساحة الشهداء، باب قسنطينة، رافعين لافتات تحمل جملة من الشعارات مناهضة لتمديد العهدة الرابعة، ورافضة الذين يحاولون ركوب الموجة من حزبي الأفالان والأرندي وأحزاب المولاة الأخرى.مسيرة أمس حملت كذلك صورا كاريكاتورية للسعيد بوتفليقة وهو حامل لشقيقه عبد العزيز، وشعارات أخرى تطالب الرئيس وزمرته بالرحيل وسقوط النظام الفاسد. وللجمعة الخامسة على التوالي، لم يفوت السطايفية فرصة الخروج بالآلاف إلى الشوارع والساحات العامة بالمدينة. هذه المرة ورغم الظروف الجوية الصعبة التي صاحبها هطول أمطار طيلة الليل، إلا أن الجموع الغفيرة توافدت منذ منتصف النهار على ساحة البريد المركزي بمحاذاة المركز التجاري “بارك مول”. رايات وطنية عملاقة وشعارات مختلفة تنادي كلها برحيل النظام، زيادة على لافتات أخرى تؤكد على أن الجمهورية الثانية لن تكون بمعالم إيديولوجية ولا فدرالية.واحتشد، بعد صلاة الجمعة، في ساحتي الاستقلال والشهداء بسوق أهراس، آلاف المتظاهرين الذين رددوا شعارات رافضة لتمديد العهدة الرابعة، مطالبين بطرد رؤوس النظام ورموزه. وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها “ أفالان، أرندي، ديڤاج”، كما وصفت أخرى بعض شخصيات النظام والأحزاب بالخونة الذين لا مكان لهم بين الشعب الجزائري.وتضاعف عدد المشاركين في مسيرة أمس بمدينة جيجل مقارنة بتلك التي نظمت في الأسابيع الماضية، بعد التحاق فئات أخرى من المجتمع رجالا ونساء وأطفالا بالحراك الشعبي المطالب بتغيير النظام، ورفض تمديد العهدة الرابعة. وقد تجاوز امتداد المسافة بين الحشود الأولى للمسيرة التي انطلقت من ساحة الجمهورية وتلك التي كانت في المؤخرة الكيلومترين، حيث قدر ملاحظون عدد المشاركين بأزيد من 150 ألف متظاهر، وشوهد تنوع في الشعارات التي رفعها المواطنون بين مطالب سياسية وأخرى اجتماعية، إضافة إلى مطالب ذات طابع محلي.كما جدد، أمس، ببسكرة، عشرات الآلاف من المواطنين رفضهم للنظام الحالي وتأكيدهم على ضرورة رحيله في مسيرة الجمعة الخامسة التي لم تختلف عن سابقتها، وتحولت إلى أشبه بالعرس بتوابل صور التضامن وعبارات تدعو إلى وحدة الشعب.البساكرة بجميع أطيافهم وشرائحهم، كبارهم وصغارهم، خرجوا من مختلف أحياء المدينة، شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، ومن جميع بلدياتها، مباشرة بعد صلاة الجمعة، صوب ساحة الحرية بقلب “عروس الزيبان” التي تحولت إلى نقطة التقاء، ثم توجه المتظاهرون عبر شارع الأمير عبد القادر إلى طريق الزعاطشة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات