+ -

ملك ترك بصماته واضحة في تاريخ الأمة العربية بمواقفه الثابتة، أصوله جزائرية من منطقة مستغانم، ملك قاوم الاستعمار الإيطالي ودعّم الثورة الجزائرية والقضايا العربية عموما.

الملك إدريس السنوسي من مواليد سنة 1890، خلال الحرب العالمية الثانية، وقف مدافعا على ليبيا بعد أن تمّ جلاء الإيطاليين عنها، ممّا دفع بريطانيا للاعتراف به أميرا على برقة سنة 1949.

وبعد انتهاء وصاية هيئة الأمم، أعتُرف بليبيا دولة مستقلة بولاياتها الثلاث (طرابلس وبرقة وفزان) سنة 1951، وأعلنت الجمعية الوطنية تنصيبه رسميا ملكا على ليبيا.

كان لمحمّد إدريس المهدي السنوسي شرف إعلان استقلال وميلاد الدولة الليبيّة المستقلّة بتاريخ 24 ديسمبر 1951، ومن على شرفة قصر المنار في بنغازي، حيث اتخذ لنفسه لقب ملك المملكة الليبية المتحدة في إطار السيادة التامّة وفقاً لأحكام الدستور. خلال فترة حكمه التي دامت 18 سنة، اهتم الملك بتطوير الدولة الفتية، وأنشأ العديد من المؤسسات، كشركة الخطوط الليبية والجيش الليبي والبنك المركزي والجامعة.

 

مساندته للثورة الجزائرية

 

بحكم أصول عائلته الجزائرية، ونظرا لرفضه الاستعمار الأجنبي، كان من البديهي أن يقف الملك إدريس مع الثورة الجزائرية التي رأى فيها مواصلة لتحرير دول المغرب العربي.

لم يتوان الملك في مساندة الثورة الجزائرية منذ اندلاعها بكلّ الوسائل، وتعدّدت أشكال الدعم سواء الدعم السياسي، أو المالي، أو الدعم بالسلاح، أو توفير الجو المناسب لقادة الثورة السياسيين والعسكريين، والدعم الإعلامي من خلال صوت الجزائر من طرابلس، ناهيك عن استقبال اللاجئين وأبناء الشهداء.

لكن أهم ما يسجّل للملك إدريس السنوسي ومعه الشعب اللّيبي هو المساندة في مجال نقل السلاح وإيصاله إلى جيش التحرير الوطني في الداخل، نظرا لكون ليبيا تعتبر المعبر البري الأفضل لوصول الأسلحة القادمة عن طريق البر من الحدود المصرية، حيث كلّف الملك ضباط الجيش اللّيبي بتأمين وصول السلاح إلى طرابلس العاصمة ومساعدة جنود جيش التحرير الجزائري على تفريغ الحمولات ثمّ نقلها إلى الحدود الشرقية، لتوزّع على الولايات الداخلية. وقد جعل الملك من ليبيا قاعدة خلفية للثورة الجزائرية، من خلال السماح بإقامة مستودعات لتخزين السلاح في العديد من المناطق، وسمح الملك لضبّاط جيش التحرير الوطني من التنقّل بحرية ودون مضايقات، بل كان يوفّر لهم الحماية أين ما نزلوا. وبفضل توجيهاته، لم يحدث أن وقع أي حادث أو تضييق على نقل السلاح أو تحرّك القيادة العسكرية للثورة الجزائرية طيلة 07 سنوات.

وإلى جانب هذا، وضع الملك إدريس السنوسي مطارات ليبيا في خدمة الثورة الجزائرية، خاصّة مطارات المناطق الحدودية، وقد كلّف الملك رئيس حكومته، مصطفى بن حليم، ليشرف على العملية وتنسيق نقل السلاح جوّا من مطار القاهرة إلى جنوب فزّان، مع تأمين وصول السلاح بعيدا عن الرقابة الفرنسية، كما سمح بتنقّل شاحنات جيش التحرير الوطني برّا لنقل الجنود أو الطلبة أو الأسلحة عبر الحدود الشرقية.

وفي مجال الدّعم السياسي، كان الملك صوت الثورة في المؤتمرات الدولية، كما خصّ وزراء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية باستقبال رسمي كلّما زاروا ليبيا، وكان يشرف شخصيا على استقبالهم في قصره الملكي.

وفي مجال الدّعم الاجتماعي، أعطى الملك تعليماته لاستقبال اللّاجئين الجزائريين وتوفير متطلبات الحياة الكريمة لهم، وتكلّف هو بتبنّي إحدى بنات الشهداء التي اتخذها بنتا له وعاشت معه في القصر، كما أعطى الملك تعليماته لاستقبال فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم استقبالا رسميا وشعبيا.

الملك إدريس ومن أجل دعم الثورة دبلوماسيا، خاصّة في فرنسا نفسها، قام بتعيين رئيس وزرائه المستقيل السيد مصطفى بن حليم (الذي كان على إطلاع بالقضية الجزائرية بحكم منصبه وعلاقاته مع قيادات الثورة الجزائرية) سفيرا في باريس من أجل نقل كواليس السياسة الفرنسية، خاصة بعد وصول الجنرال ديغول إلى السلطة وبداية بوادر التفاوض. وقد لعب السفير الليبي مصطفى بن حليم بتوجيه من الملك إدريس، دورا بارزا في الدفع بعجلة التفاوض مع الحكومة المؤقتة، من خلال ربط علاقات مع الفاعلين السياسيين في باريس.

ظلّ الملك إدريس داعما للثورة الجزائرية بكل الوسائل المتاحة، وسمح لأعضاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية بالاجتماع في طرابلس، مع توفير كلّ وسائل الراحة حتّى آخر دورة للمجلس لم تكتمل صيف 1962. توفي الملك بالقاهرة سنة 1983.