"المسجد الأقصى في خطر شديد ويحتاج من الأمة أن تتحرك"

+ -

 أكّد فضيلة الشيخ الدكتور نواف التكروري، رئيس هيئة علماء فلسطين، في حوار لـ"الخبر"، أنّ "الكيان الصهيوني الإفساد في بيت المقدس يحاول نشر المخدرات وتدمير التدربس والتعليم حتى يخرج جيلا جاهلا قابلا للاستسلام"، موضحا أن الشعب الفلسطيني "يواجه ويقاوم بكل ما أوتي من إمكانيات"، منبها إلى أن "المسجد الأقصى يستصرخ المسلمين في شتى البقاع"، وأن "المسجد الأقصى هو وصية الحبيب صلّى الله عليه وسلم"، ملفتا إلى أن "الواجب اتجاه فلسطين والأقصى المهدد بالهدم حراكا كبيرا" من الأمة قبل فوات الأوان، مستنكرا المطبّعين "الذين يشدّون رحالهم شرقا وغربا" عوضا عن "شد رحالهم للمسجد الأقصى الذي يعاني كل يوم".

 

هل النهوض بالأمة الإسلامية ونقلها من حالة الضعف والذل إلى حالة القوة والعزة، يقع على كاهل العلماء أو القادة السياسيين؟

يقع على كاهل الأمة جميعا، وكل يتقاسم هذه المسؤولية من موقعه، بالتأكيد على العلماء مسؤولية بين يدي الله سبحانه وتعالى وواجب أن يقوموا به في بث الوعي وبناء الإنسان وتربية الجيل ومراعاة الأولويات في عملهم والجد والسعي لإعزاز هذه الأمة بعيدا عن عروض النفوس الضيقة.

والواجبات واسعة وكثيرة، وأيضا على عاتق السياسيين واجب كبير جدا وأنهم يتحملون المسؤوليات الأكبر، فهم في هذا الإطار أصحاب القرار وهم الذين ينبغي أن يوفروا ويهيئوا الأجواء لعمل العلماء وانطلاقتهم في مشاريع لهذه الأمة وعدم التضييق على الدعاة والعلماء في بث الوعي.

نحن نعيش زمان الكثير من ولاة الأمر لا يعطون الأمور حقها ومستحقها بل كثير منهم يشكل حائلا دون التمكن من إعداد الأمة الإعداد اللازم لتقدمها وارتقائها في المجالات المختلفة وفي كل الأبواب.

وأعتقد أن المسؤولية على المفكرين، عليهم واجبات خاصة بأن ينطلقوا في أفكارهم وأولويات العمل. والشعوب أيضا يجب عليها أن لا تستعجل وأن لا تخضع، وبالمقابل أن لا يكون غاية بحثها في لقمة العيش وفي توافه الأمور، بل تكون حاضرة وتسعى لعزتها وكرامتها وأن تستعظم شأن العزة على شأن الترف والرفاهية، وعليها أن لا تقبل بأن تشغل بتوافه الأمور.

ألا ترى اليوم تقصيرا من العلماء في تعاطيهم مع القضية الفلسطينية بشكل عام، ومع قضية القدس والأقصى بشكل خاص؟

لا أشك بوجود تقصير من العلماء، وعلى عاتق العلماء حمل ثقيل، وهذا يقتضي من العلماء في مهمتهم أن ينطلقوا برسالتهم، لا فيما يرضي الساسة، فلا بد من أن يكون العمل أكثر جدية وأكثر ترتيبا وأكثر انطلاقا.

في الحقيقة ينبغي أن أؤكد أنه لا بد من تجاوز المصالح الضيقة في أعمال العلماء والحسابات المحدودة حتى نستطيع أن نحقق النصرة لهذه الأمة. وأما مع الواجب اتجاه فلسطين والمسجد الأقصى المهدد بالهدم اليوم، فهذا يقتضي من العلماء حراكا كبيرا، لو تحرك العلماء بالمعنى الصحيح وحركوا الشعوب بكل ما لديهم من إمكانيات وقدّموها في الحراك فيجعل الحكام مضطرين أن يقوموا بواجبهم، أما عندما يبقى عمل العلماء محصورا في إطار ما يؤذن لهم به فلم يحركوا الشعوب، وطبعا الحكام لم يأذنوا اليوم بما يزعجهم في تحريكهم وتفعيلهم، ولذلك الأقصى ينتظر دورا حقيقيا للعلماء كدور العز وابن تيمية والقاضي الفاضل وآق شمس الدين وكبار علماء الأمة الذين قادوا القادة إلى مواقع العزة وحركوا الجيوش بتوعيتهم وتحريضهم لينشروا الثقة بالله والأمل في نصره سبحانه وتعالى.

 

كيف تصف أوضاع فلسطين المحتلة والقدس والمسجد الأقصى الأسير؟

أوضاع فلسطين المحتلة والقدس والمسجد الأقصى المبارك، لا ينبغي أن تخفى على أحد ولا أظنها تخفى، نحن نرى اليوم في غزة سفك الدماء وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها وتدمير المستشفيات والمساجد والمدارس ومراكز الإيواء على رؤوس أهلنا، اليوم الذي لا يستشهد فيه عدد كبير يفوق عددهم المائة، بل يصل إلى عدد أربعمائة في كل يوم، على يد هذا العدو المجرم الذي في الوقت نفسه يصول ويجول في كثير من بلاد العرب والمسلمين، بل تمده بعض البلاد بالطعام وما يحتاج إليه لكي يبقى قويا على قتل إخوانهم في فلسطين.

لا شك أن وضع غزة صعب ولكنه وضع عزة وجهاد، ولقن هذا العدو درسا لم يتلقه ولم يلقنه على جيوش جرارة وإمكانات كبيرة، فإرادة الجهاد في شعبنا قائمة مستمرة ولم يستسلم ولم يخضع أبدا وما زال وسيبقى يجاهد ويلتحق به من يكتب له هذا الشرف، ويُحرم من ذلك من يأبى إلا أن يبقى صديقا لأعداء هذه الأمة.

وكما تعلمون أن الكيان الصهيوني اتخذ قراره بمنع المصلين من الضفة و48 من الوصول إلى المسجد الأقصى حتى في رمضان، والذي يكابد المسجد الأقصى ليس التقسيم الذي كنا نتكلم عنه وإنما هو الهدم والتدمير وإقامة الهيكل الصهيوني بديلا عنه، هيكلهم المزعوم، والأمة ينبغي أن تستنفر جميعا قبل أن تقول: يا ليتني..

 

إلى أيّ حد وصل مسعى الكيان الصهيوني لبسط سيادته على المسجد الأقصى؟

المسجد الأقصى ليس هو منتهى محط أنظار الكيان الصهيوني. الكيان الصهيوني يتطلع إلى كل العواصم المجاورة والبعيدة، وليس المسجد الأقصى وحده بل إلى مسجد الحبيب صلّى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يحفظ مسرى رسوله من كيد الكائدين. الكيان الصهيوني يدبّر لاحتلال المدينة، وهذا كلام غولدا مائير يوم دخلت بيت المقدس (إنما أشم رائحة أجدادي في خيبر)، وهذا الكلام القديم لم ينسى اليوم. قبل أشهر قليلة، ذهب بعض الصهاينة إلى المدينة ووضعوا في خيبر إشارة على بعض البيوت وقال قائل منهم هذا بيت جدي وجدتي تحتفظ بالمفتاح.

فأهل فلسطين وهم يجاهدون ويدافعون إنما يدافعون عن كل بلاد المسلمين وعن كرامة المسلمين جميعا وليس عن المسرى وحده، وإن كان الدفاع عنه شرف وواجب وضروري. ولذلك، وفي كل يوم، يعيث الصهاينة في المسجد الأقصى فسادا، يمارسون فيه طقوسهم ويسحلون أخواتنا فيه وفي باحاته ورحابه الطاهر، يدخلون إلى المصليات الموجودة فيه بأحذيتهم وبأسلحتهم ويضربون بها المصلين، وتعتقل المجاهدات المرابطات اللواتي يأتين إلى المسجد للحفاظ عليه ويمنعن من الدخول إليهم.

يحاول الكيان الصهيوني الإفساد في بيت المقدس من خلال بث المخدرات وتدمير التدربس والتعليم حتى يخرج جيلا جاهلا قابلا للاستسلام، وشعبنا يواجه ويقاوم بكل ما أوتي من إمكانيات. المسجد الأقصى في خطر شديد، يحتاج من الأمة أن تتفاعل معه وأن تتحرك، المسجد الأقصى يستصرخ المسلمين في شتى البقاع، المسجد الأقصى هو وصية الحبيب صلّى الله عليه وسلم. إلى الذين يشدون رحالهم شرقا وغربا، أن يشدوا لهذا المسجد رحاله. المسجد الأقصى يعاني كل يوم، وعلى أمتنا أن تفيه قبل أن يفوت الأوان.