+ -

فرض الله تعالى صيام شهر رمضان على المسلمين، وعلل الصيام بالتقوى فقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} البقرة:183، ومن التقوى حفظ البصر عن رؤية الحرام، ومعصية النظر إلى الحرام تكاد تكون المعصية الأكثر وقوعا في هذا الزمن، بل هي الأكثر.

ومع فتح وسائل الاتصال الحديثة، سواء كانت قنوات فضائية أو شبكات التواصل الاجتماعية التي دخلت على البيوت، وصار كل شيء يُعرَض فيها دون رقيب أو حسيب، وعظمت بهذا الفتح معصية النظر إلى الحرام، حيث لا تكاد تمر على المشاهد لحظة لا يقع فيها في معصية النظر إلى ما حرم الله تعالى؛ لأن القنوات مملوءة بذلك، في البرامج الجادة والهازلة، والأفلام والمسلسلات والدعايات الإعلانية، وأَلِفَ الناس النظر إلى الحرام، وصار جزءا من عيشهم فاق في كثرته طعامهم وشرابهم، ونافس هواءهم.

وجاءت الشبكة العنكبوتية فعُرضت فيها ملايين المقاطع والصور، وأتيحت لكل أحد في جهازه الخاص، فعظمت معصية النظر المحرم واتسعت؛ لأن ما لا يجده المرء في الفضائيات صار يجده في جهازه الخاص، وما يستحي أن ينظر إليه أمام الناس يبصره وحده. ثم جاءت أيضا الهواتف الذكية فاتسعت معصية النظر إلى الحرام اتساعا عظيما، لأنه يحمل جهازه في جيبه، وتأتيه مقاطع الصور والفيديوهات والأفلام في كل وقت حتى وهو في المسجد.

قال الله وتعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} النور:30-31، قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: “هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضّوا من أبصارهم عما حرّم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعا”. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: “الصيام جُنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل...” رواه الشيخان، والنظر حال الصيام إلى المحرمات فيه رفث، وهو جهل بقدر الصيام، وبحرمة رمضان عند الله تعالى، لكن لكثرة الواقعين فيه رق هذا الذنب عند الناس وهو عند الله عظيم. وعن عُبادة بن الصامت أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: “اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وَعدتم، وأدّوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم” رواه أحمد، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه: “يا علي! لا تتّبع النظرة النظرة؛ فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة” رواه أحمد.

ولغضّ البصر عما حرّم الله فوائد كثيرة، منها: أنه امتثال لأمر الله تعالى الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، وأنه يمنع وصول أثر السهم المسموم الذي ربما كان هلاك قلبه فيه، وأنه يورث القلب أنسًا بالله سبحانه؛ لأن غضّ البصر لا يكون إلا باستحضار الخوف من الله، وعملا بما نهى عنه، ويقوي القلب ويفرحه، وأنه يورث الفِراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل، والصادق والكاذب، ويورث القلب شجاعة وقوة، ويسُدّ على الشيطان مدخله إلى القلب. بينما النظر إلى المحرمات يُضعف القلب ويحزنه، كما أن إطلاقه يورثه ظلمة.

فحافظوا على صيامكم، واتقوا الله ربكم، واجتنبوا ما حرّم عليكم؛ ليكمل صومكم، وتستوفوا أجركم؛ فاليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، قال تعالى: {وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم} محمد:36.