
38serv
في حديثه عن أهمية التحاليل الطبية والأشعة، أكد رئيس الجمعية الجزائرية لعلم المناعة، البروفيسور كمال جنوحات، أنه من شأن هذه الأخيرة أن تشخّص المرض قبل ظهوره، داعيا إلى إعادة النظر في تعويضات صندوق الضمان الاجتماعي التي لم تتغير تسعيرتها منذ سنوات السبعينات، مفصلا في هذه الأمور في الحوار التالي:
تعتبر التحاليل الطبية عاملا أساسيا وحيويا للوصول إلى تشخيص سليم لحالة المريض، هل لكم بروفيسور أن توضحوا لنا أهميتها؟
بالتأكيد، التحاليل الطبية عامل مهم وأداة فعالة من شأنها أن نعتمد عليها كمختصين في الطب لتشخيص طبيعة المرض الذي يعاني منه الإنسان، ولتوضيح الأمور أشير إلى أن هناك ثلاثة عوامل أساسية لتشخيص الأمراض ممثلة في: الأعراض، الأشعة والتحاليل البيولوجية، علما أن هذه الأخيرة بإمكانها أن تعمل على تشخيص المرض قبل ظهور الأعراض وقبل اللجوء للأشعة، لكن المعمول به عند الجزائري هو عدم تحليه بثقافة الحرص على المداومة على تحاليله الطبية البيولوجية، والتي من شأنها أن تكشف عن مشاكل صحية قبل تفاقمها وعلى رأسها السرطانات، وفي هذا المجال أشير إلى أنه ما عدا سرطان الثدي الذي يتم تشخيصه بالأشعة، يبقى تشخيص كثير من السرطانات قائم على التحاليل البيولوجية المعمقة، فمثلا نجد أنه بالإمكان تشخيص سرطان القولون قبل 5 سنوات من ظهوره وتفشيه، وهو ما يمكّن من علاجه مبكرا والاكتفاء بالجراحة فقط، دون اللجوء إلى بقية العلاجات الثقيلة، على غرار العلاج الكيميائي والعلاج بالأشعة، لكن للأسف ليس هناك استثمار في مثل هذه التحاليل التي تتوفر عموما لدى مخابر التحاليل الخاصة، والتي لا يذهب لها المريض عندنا إلا بعد فوات الأوان، وهو ما يفسر الكشف عن نسبة كبيرة من حالات السرطان بالجزائر في حالات متقدمة من الإصابة.
يحرص الأوروبي على إجراء تحاليله الطبية بصفة دورية، ما مدى تقيّد الجزائري بهذه القاعدة؟
تتحول التحاليل الطبية والفحوصات المخبرية عند تجاوز الإنسان لسن معينة إلى قاعدة أو أشبه إلى نظرية في مجال الطب، فالتركيبة الفيزيولوجية للإنسان بصفة عامة عادة ما تشهد جملة من التغيرات عند تجاوز عتبة الـ40 سنة، وهو ما يستدعي الخضوع إلى مختلف التحاليل الطبية بصفة دورية، بحكم ارتفاع احتمال نسب الإصابة بأي مرض بعد تلك السن، قياسا بما كان عليه الأمر في السابق بالنظر لتقلص دور المناعة في الجسم، ورغم هذه المعطيات الهامة، أقولها صراحة إننا نأسف لحالنا، كون هذه القاعدة عندنا في الجزائر مهملة إلى حد بعيد، حيث إنه بالرغم من أهمية هذه التحاليل وفعاليتها في الكشف المبكر، تبقى الأمور على حالها، عكس ما يجري في أوروبا ومختلف الدول المتقدمة أين يختلف الأمر تماما، فهنالك ينصح الطبيب الأوروبي كل من يتردد على مصحته لتلقي العلاج، بضرورة الخضوع للتحاليل الطبية كل سنة في الحالات العادية، إلى درجة يتحول فيه النصح في بعض الحالات إلى "إجبار"، وذلك حتى يتسنى للطبيب التوصل إلى تقييم صحيح وفعال للحالة المرضية المعروضة عليه، علما أن المعمول به بدول أوروبا ممثل في تعويض مختلف التحاليل من قبل صناديق الضمان الاجتماعي وبأسعار مدروسة تتقارب مع الأسعار التي يدفعها المريض، يحدث هذا في الوقت الذي ترجع تسعيرة التعويضات المعمول بها عندنا إلى سنوات السبعينات، ولا علاقة لها بالأسعار المفروضة حاليا، ما يجعل منها تعويضات رمزية لا غير، الأمر الذي يفرض مسألة مراجعتها من خلال التنسيق بين وزارة الصحة وصندوق الضمان الاجتماعي.
أخيرا بروفيسور، بم تنصحون مرضانا الذين يعمدون لإجراء تحاليلهم الطبية فقط عند الإصابة بمرض ما؟
نصيحتي هنا لا أتقدم بها للمريض لأن حالته المرضية تفرض إجراء التحاليل والفحوصات المخبرية التي تتطلبها إصابته، بل أتوجه من خلال هذا المنبر الإعلامي بنداء للسلطات المعنية بالأمر، أن تركز على الوقاية ومن ضمنها المساهمة في التعويض الفعلي لمختلف التحاليل والكشوفات الطبية، عوض التركيز على استيراد الأدوية فقط، وبهذا تكون قد استثمرت في الوقاية وبثمن معقول عوض دفع أثمان باهظة في أدوية قد لا تنفع بسبب تفشي الداء، وهنا أذكر على سبيل المثال تحليل الكشف على سرطان البروستات "بي أس أ"، فرغم أن الجزائري مطالب بإجراء هذا التحليل بدءا من الـ50 سنة من العمر، نجده يتوانى عن ذلك بسبب ارتفاع سعر هذا التحليل وعدم خضوعه للتعويض، كما أن الإقبال على تحاليل كاملة لا تقل كلفتها عن 2 مليون سنتيم، وهو ما جعل الجزائريون يعرضون عن هذه المراجعة الطبية، ولا يلجأون لها إلا إذا ظهرت عليهم أعراض المرض الذي قد يكون في مرحلة متقدّمة، وبالتالي يجبر المريض على تسديد تكاليف كان في غنى عنها، لأنه كان أحرى بها أن تتوجه للوقاية.