
38serv
تقف مجموعة من النساء في السوق الشعبي، مارشي 12 في حي بلوزداد بالجزائر العاصمة، تتدافعن وتتعالى أصواتهن وهن يسألن البائع عن السعر، لم يتبين وجه البائع ولم يصلني منه إلا بحة صوته "يا نساء الرخا يدهش... 1200 فقط"، اقتربت منهن لأعرف أن الأمر يتعلق بقدر من الفخار مخصص لطهي عروس الأكلات في شهر الصيام، طبق الشوربة الذي لا يستغني عنه أغلب الجزائريين.
يشكل الاستعداد لاستقبال شهر رمضان هاجسا لدى الكثير من العائلات الجزائرية، التي تتهافت على اقتناء ما يلزمها من مؤن غذائية، خوفا من المضاربة وارتفاع الأسعار. فيكفي التجول في الأسواق والمحلات والمراكز التجارية بالأحياء الشعبية للعاصمة للوقوف على التحضيرات المبكرة لاستقبال هذا الضيف العزيز الذي له خصوصية لدى العائلات الجزائرية
سحر ذوق شوربة قدر الفخار لا يقاوم
في الأسواق الشعبية بالجزائر العاصمة، كالسوق المغطى بالحراش، وسوق باش جراح وكذلك المراكز التجارية، يقبل المتسوقون على اقتناء مستلزمات الشهر الفضيل بـ "عقلية التخزين" التي توارثناها عن سنوات الثمانينات، وأيام "أسواق الفلاح".
هو حال محمد وزوجته، اللذين كانا رفقة طفليهما بصدد التسوق لاقتناء بعض متطلبات الشهر الفضيل بالسوق مارشي 12 في بلوزداد... هذا الفضاء له نكهة مميزة قبيل رمضان، حيث يقصده زبائن من مختلف الأحياء والبلديات المجاورة من أجل قضاء حوائجهم من الخضر والفواكه والتوابل واللحوم وغيرها.
يقول محمد القادم من حي التنس بباش جراح لـ "الخبر: "التسوق في مارشي 12 قبل رمضان تقليد ورثته عن والدي رحمه الله، فهناك سحر ما يجذبني إلى هذا المكان، ربما أكثر ما يغري الزائر له الأسعار وجودة السلع المعروضة.
يستطرد الحديث لينقل لنا أجواء تحضيراته للشهر الكريم: "رمضان بالنسبة لعائلتي يرتبط بالكثير من التحضيرات التي تجلب للبيت "ريحة رمضان"، حيث قمت بإعادة طلاء المنزل، واقتناء بعض مستلزمات المائدة الرمضانية، على غرار مادة الفريك من عند عمي الزوبير البسكري المعروف بالسوق، إضافة إلى الفواكه المجففة من زبيب ومشمش، المكونين الرئيسيين لطبق "اللحم لحلو" المتوارث أبا عن جد، والذي لا أستطيع الاستغناء عنه، وشراء كمية معتبرة من اللحوم الحمراء والبيضاء وتخزينها في المبردات قبل ارتفاع أسعارها".
ويرجع هذا الزبون اتخاذ هذا النمط الاستهلاكي المبكر إلى تخوفه من نفاد ميزانيته المحدودة قبل نهاية الشهر الكريم، ولعل هذا أصعب تحدٍ تواجهه العائلات التي تزيد نفقاتها خلال الشهر الكريم، يليه عيد الفطر ومتطلباته أيضا.
بالجهة المقابلة للمحل، تقف ربات البيوت أمام المواد المعروضة من بهارات وتوابل تعبق رائحتهما المكان، كرأس الحانوت والكسبر والقرفة، بينهن سيدة في العقد الرابع تقلب بأصابعها مادة الفريك المتواجدة داخل كيس من خيط، وهي تتبادل الحديث مع رفيقتها حول جودته.
تكشف محدثتي عن أجندتها استعدادا لرمضان، حيث تقول أن مرحلة الاستعداد لهذه المناسبة بدأت مبكرا، باقتناء أواني مصنوعة من الفخار لما لها من سحر خاص في مذاق الأكلات الشعبية، خاصة طبق الشوربة الذي يختلف طعمه عن غيره من القدور، كما أنها تحفظ الحرارة لوقت طويل بعكس الأواني الأخرى.
الثوم والسلطة المشوية أيضا
"بنة" أكل رمضان لا تتحقق إلا بتوفير مجموعة من التوابل، التي حرصت محدثتي على اقتناء كمية كبيرة منها لها ولأقاربها عندما زارت عمتها مؤخرا بولاية تلمسان.
ويأتي على رأسها الفلفل الأبيض والأسود لتحضير الأطباق الحمراء والبيضاء، و"العكري" بنوعيه الحلو والحار، إضافة إلى تحضير الثوم بعد تنقيته وطحنه وخلطه ببعض التوابل والزيت، دون أن تنسى تحضير السلطة المشوية من حبات الفلفل وحبات الطماطم. كل ذلك يوضع في علب من البلاستيك تجمد بالثلاجة، ويسمح لربة البيت الحصول على بعض الوقت والراحة حتى يتسنى لها القيام بالواجبات الروحانية كقراءة القرآن.
وفي سوق باب الوادي استوقفتني شابة "حشرت" بين نسوة يتدافعن لاقتناء الصحون، وهي تحاول تخليص نفسها من بينهن، كانت تحاول إثناء والدتها عن اقتناء الصحون وتلك العلب التي يعرضها البائع بسعرٍ مغرٍ، وراحت تقول وهي تمسك بيد والدتها "خلينا يمّى، الأواني في بيتك تكفي لفتح محل، فيما كان رد والدتها أنها "صفقة جيدة فهي تباع باطل".
غير بعيد عن هذا الجمع الغفير من النساء، كانت أخريات أمام بائع يعرض "خلاطا كهربائيا" بنصف سعره الحقيقي، مثلما كان يردد... كلمات كانت كافية لجذب المتسوقات اللواتي رحن يتدافعن لاقتناء الخلاط الكهربائي "المميز"، ولا يهم إن كان مستوردا من الصين ودون ضمان وليس معلوم إن كان ذا جودة "المهم أن الجميع يقبل على شرائه. وهذا دليل على جودته، مثلما قالت إحدى السيدات وأنا أسألها إن كانت جيدة "يا ابنتي ألم تري الإقبال عليها، أكيد أنها جيدة".
التجار يستعدون لاستقبال زبائنهم
الزائر لمدينة بوفاريك، خلال هذه الأيام، حتما سيجد رائحة رمضان قد بدأت تنتشر في أرجاء وأزقة المدينة، وسيقف على التحضيرات الجارية من طرف التجار وبائعي "الزلابية" ومختلف أنواع الحلويات، وهو ما وقفت عليه "الخبر" خلال زيارة إلى المدينة.
في الشارع الرئيسي، الذي يشق طريقه وسط بوفاريك، أو كما يحلو للسكان تسميته بـ "طريق لاغار"، بدأت الاستعدادات الفعلية لاستقبال شهر الصيام، حيث شرع أصحاب محلات "الزلابية" في إعادة تزيين محلاتهم وترتيبها على أكمل وجه، فيما انطلق آخرون في عرض سلعهم المطلية بالعسل في الواجهات لاستقطاب المارة.
وبدأت أجواء رمضان تطبع المدينة العتيقة، ودبت حركة نشيطة في شوارعها وتشكلت زحمة مرورية، وقودها التجار والعائلات التي شرعت بدورها في استقبال شهر الصيام باقتناء الأواني وبعض المواد الأساسية.
وأمام نقطة بيع "آغروديف" ـ الشركة القابضة للصناعات الغذائية ـ تشكلت طوابير طويلة من الزبائن لاقتناء مختلف المواد الأساسية التي تعرضها الشركة الوطنية بأسعار منخفضة، مقارنة بباقي المحلات التجارية. وهناك التقت "الخبر" برب أسرة وهو يهم بالخروج محملة يداه بكيسين من السميد ذي الحجم الكبير.
يقول رب الأسرة لـ "الخبر" متهكما: "هكذا سأضمن أكل خبز "المطلوع" طيلة رمضان، سأضع بهاذين الكيسين ربة بيتي أمام الأمر الواقع"، قبل أن يغادر نحو سيارته.
نفس الأجواء وقفت عليها "الخبر" داخل سوق الخضر والفواكه الواقع بقلب المدينة، وبالضبط بحي "زنقة العرب"، حيث بدأ التجار يزينون محلاتهم ويعيدون ترتيبها تمهيدا لحلول شهر الصيام.
يقول أحد تجار الخضر: "هذا السوق يشهد إقبالا كبيرا من طرف الزبائن الذين يأتون من باقي المدن والولايات المجاورة خلال رمضان. هم في الحقيقة كانوا يقصدون المدينة من أجل اقتناء "الزلابية"، لكن خلال السنوات الأخيرة صاروا يجدون ضالتهم في السوق، لما يتم عرضه من مشروبات وفواكه موسمية وخبز الدار، ناهيك عن الزبائن الذين يقطنون بالمدينة. ولهذا توجب علينا التحضير من الآن لاستقبال رمضان في أحسن الظروف".