"أطالب فرنسا بالتعويض بدل الاعتراف بالجرائم"

38serv

+ -

قال الدكتور محمد الأمين بلغيت، مؤرخ وأكاديمي وأستاذ بجامعة الجزائر 1 بن يوسف بن خدة، إن التاريخ مازال يضغط بثقل أحقاده، بدليل أن شعار اليمين الفرنسي المتطرف هو إعلان الحرب على الجزائر بطرد المهاجرين الجزائريين في صورة عنصرية مرعبة وريثة الأنظمة المدعمة بالميز العنصري، طالما أن الجزائر مازالت في أعراف الكيدورسي هي الدولة التي كانت تحمي القارة الإفريقية، وطالب فرنسا بتعويض الجزائر الأموال التي نهبت وسرقت أثناء الاحتلال بدل الاعتراف بجرائمها، وقال إن قيمة الممتلكات المنهوبة خلال فترة احتلالها الجزائر تقدر بـ4 آلاف مليار أورو.

 

إلى ماذا تحيل الخرجات الجديدة لليمين الفرنسي المتطرف المتحامل على الجزائر والمتسبب كل مرة في تصدع العلاقات الجزائرية الفرنسية؟ هل التاريخ مازال يضغط بثقل أحقاده؟

. حتى تكون الصورة أوضح، مما يتكون اليمين المتطرف في فرنسا بالذات؟ أقول إن مكونات اليمين المتطرف في فرنسا بالذات يتكون مما يلي:

أ/ أبناء وأحفاد الكولون (المعمرون ذوو الأقدام السوداء)، الذين يقارب عددهم حين خرجوا من الجزائر غير مأسوف عليه ما يقارب 900 ألف.

ب/ أبناء وأحفاد الحركى والتشكيلات التي اشتغلت مع فرنسا منذ جويلية 1830 (أبناء وأحفاد الزواف)، أبناء وأحفاد الصبايحية، أبناء وأحفاد القومية، أول قوم كان بقيادة القائد الأزهر أصيل خنقة سيدي ناجي، وتكون بعد قتله لأكثر من نصف أولاد ملول العتيدة (1917)، أبناء وأحفاد الحركة، وقدرهم مشروع القانون الفرنسي المقدم للجمعية الوطنية الفرنسية من أجل استصدار قانون تجريم كراهية الحركى، بحوالي 587 ألف حركي اشتغلوا مع فرنسا بداية من سنة 1955.

أبناء وأحفاد (الطابور التونسي)، أبناء وأحفاد (الطابور المغربي)، أبناء وأحفاد (الطابور السنغالي)، ثم ورثة الدم الصليبي منذ الحملة الصليبية الشعبية التي خرجت من وسط فرنسا (كليرمون فيران) إلى اليوم، وأشهر هؤلاء الآن مارين لوبان وريثة المجرم الذي أنقذه من الموت المحقق ذات يوم مجند جزائري في فيتنام.

اليمين المتطرف هو الوريث الشرعي لأولئك الذين اغتصبوا أرضنا وهتكوا أعراض شريفاتنا ونهبوا مدننا الغنية، إنهم أولئك الذين يصفهم الإمام الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصفه الدقيق حين قال إن فرنسا تجند القوانين والجيوش لحمايتهم كما تفعل الأم مع وحيدها، المدلل. لهذا شعار اليمين المتطرف هو إعلان الحرب على الجزائر، وطرد المهاجرين الجزائريين في صورة عنصرية مرعبة وريثة الأنظمة المدعمة بالفصل العنصري.

 

يقال إن الجزائر خلال 1830 كانت بحوزتها أملاك من ذهب ومال لا تحوز عليها دولة في العالم، هل استعمار الجزائر كان بالدرجة الأولى هو الاستيلاء على هذه الأموال؟ هل ما زلت وفيا لمطالبة فرنسا بإعادة الأموال المسروقة والمنهوبة إلى الجزائر؟

. أنا دومًا أشدد فأقول أن أصل الأزمة بين الجزائر وفرنسا، هو ما فسره الدكتور عمار حمداني في كتابه الراقي "حقيقة غزو الجزائر"، ترجمة لحسن زغدار، وهو نفس ما ذهب إليه بيار بيان في "سطو على مدينة الجزائر".

وإليك ما كتب عنا أحد المؤرخين "لم يتفق المؤرخون على تحديد المبلغ الذي كانت تحتويه الخزينة الجزائرية قبل الاحتلال، فحسب المؤرّخ الجزائري أبي القاسم سعد الله في كتابه "محاضرات في تاريخ الجزائر المعاصر"، كانت الخزينة العمومية الجزائرية تحتوي على 50 مليون فرنك عشية الاحتلال الفرنسي، غير أنّ المقرر الفرنسي بول غافارل، قدّر حجم ما احتوت عليه الخزينة من ودائع وأموال بـ80 مليون فرنك، لكن الأمر الذي اتفق عليه الجميع هو نهب السلطات الفرنسية للخزينة العمومية الجزائرية حتى آخر فلسٍ فيها".

تتحدث المصادر التاريخية عن أنّ قائد الحملة الفرنسية الجنرال دي بورمون، نهب الخزينة العمومية فور احتلال مدينة الجزائر، وأرسل مبلغ 50 مليون فرنك ذهبي فرنسي إلى ملك فرنسا (شارل العاشر) تعويضات عن الحرب، ووزع مليوني فرنك على الجنود الفرنسيين. وحسب المصادر التاريخية نفسها؛ كانت الخزينة الجزائرية تحتوي على أكثر من 7 آلاف كيلوغرام من الذهب، وأكثر من 100 ألف كيلوغرام من الفضّة.

لم تكن الخزينة وحدها ضحية الاحتلال الفرنسي، فقد سبقها الدَّين العام الذي كانت تدينه الجزائر لفرنسا، وأمام الظروف الاقتصادية الصعبة في فرنسا نتيجة مخلّفات حروب نابليون بونابرت وعزلتها الأوروبية؛ لم تجد فرنسا غير الاقتراض والاستدانة من الجزائر، لتبلغ حجم الديون التي لم تسدد إلى اليوم بحوالي 24 مليون قطعة ذهبية، في ذلك العصر. كما تم تحويل كميات كبيرة من القطع الذهبية على متن خمس سفن فرنسية، فضلًا عن أشياء ثمينة وحوالي 30 ألف بندقية ذات قيمة كبيرة، وكان ذلك بأمر من سلطات رسمية فرنسية في ذلك العهد، وذهب جزء منها إلى المملكة المتحدة لمساعدتها في الحملة الاستعمارية.

وإليك بلغة الأرقام ما نهبته فرنسا كما سجلتها في كتبي منذ أكثر من ربع قرن، فقد استولت فرنسا الاستعمارية بمساعدة اليهود الخونة والجواسيس الذين دلوا قادة الحملة على أموال الداي وكنوز القصبة، ويرجح المؤرخون - حسب وثائق العصر - أن جراد البحر وقادة الحملة استولوا على:

7 أطنان و312 كلغ من الذهب من قصر القصبة (مقر الداي).

108 طن و704 كلغ من الفضة من قصر الداي.

24. 700. 000 فرنك؛ وهي قيمة الذهب الموجود بالخزينة الجزائرية، كما شهد بذلك الجنرال بيرتوزان والدكتور بونافون والقبطان بيليسيسي دورينو والرسام المصور فودان. أما قيمة النقود والفضة الموجودة بالخزينة الجزائرية فهي:

11.000.000 فرنك ثمن السلع المتنوعة الموجودة بالمخازن الحكومية والخاصة.

50.000.000 فرنك مبلغ ما وجد من عتاد حربي وسلاح ملك الدولة الجزائرية.

80. 000. 000 فرنك من العملات الأجنبية الموجودة بالخزينة الجزائرية (حسب تقديرات دوبورمون) و180.000. 000 فرنك حسب وزير الحربية كليرمون دي تونيرو، و150. 000. 000 فرنك حسب السفير الفرنسـي دوفال.

استولت القوات العسكرية على 30 ألف بندقية يوم تمكنت من الاستيلاء على القلعة الأمامية التي كانت تحمي العاصمة، كما شهد بذلك صاحب كشف البضائع في ذكر الوقائع محمد العنابي.

ويكفي لبيان مبلغ ضخامة مال الخزينة الجزائرية؛ ما حكاه المؤرخ الجزائري محمد العنابي من أن كنوز الدولة الجزائرية يوم نقلت من قصر الجنينة إلى قصر القصبة، فقالوا بأنها حملت على ظهر مائة من البغال في ظرف ثلاث ليال متناسقة".

وفي غياب الرقابة أثناء النهب والسلب، تمكن الجنود الفرنسيون من تحويل ونهب وسرقة أزيد من خمسين مليون فرنك، وهو نصف مبلغ تكاليف الحملة الصليبية المقدسة الفرنسية على الجزائر المحروسة.

وبالمفيد؛ كانت خزينة الجزائر من أغنى خزائن المال باتفاق المؤرخين. لذلك، أنا كمواطن جزائري وكمؤرخ أطالب فرنسا بتعويض الجزائر ما نهبته وسرقته من أموال ومجوهرات من خزينة الداي حسين بدل أن تقدم لنا اعترافا بشأن جرائمها، إذ أن قيمة الممتلكات المنهوبة يقدر ثمنها اليوم بأربعة آلاف مليار أورو.

 

كيف كانت مدينة الجزائر عندما دخل الفرنسيون الصليبيون، يقال إنها كانت واحدة من أجمل المدن في العالم، ما رأيك؟

. حين دخل الغرباء الصليبيون مدينة الجزائر البيضاء كان يحدوهم نداء الأب دان (دمروا الجزائر البيضاء جلادة المسيحية، كما فعل أسلافنا ذات يوم من سنة 146 قبل الميلاد مع قرطاج حين حطموها حجرًا حجرًا ونهبوا كنوزها وسرقوا تراثها العلمي)، كما جاء في (موسوعة ماغون الزراعية 27 مجلدًا)، وهذا عين ما فعله مغول القرن التاسع عشر في غياب شعور قومي بخطر ذبح وسلخ الثور الأبيض.

كانت الجزائر العاصمة، حسب المؤرخ الفرنسي برنار فانسان [Bernard Vincent]، وهي بذلك بحسب هذا المؤرخ من بين أكبر مدن البحر الأبيض المتوسط، كما جاء في مقدمة كتاب الباحثة فتيحة الواليش حول العائلة العصامية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، وكانت تحوز المدينة على أرشيف كبير، منه ما يزيد عن أربعة آلاف عقد تمليك تبرهن على ثراء المدينة وغناء أهلها من أصحاب العقود.

كانت مدينة الجزائر بحسب مؤرخ العصر العثماني ناصر الدين سعيدوني، من أغنى المدن حيث كانت الحامة لوحدها تحوز على آلاف المحالج (مصانع عائلية) وانتشرت صناعة الأقمشة، والتطريز، وصناعة الصابون، وصناعة المجوهرات والحلي وصناعة الأسلحة وتحضير البارود وصناعة الحدادة ومعالجة المعادن وصناعة الجلود. كانت مدينة الجزائر وحدها (مدينة دولة)، وحسب كتاب الحياة الريفية بإقليم مدينة الجزائر للمؤرخ ناصر الدين سعيدوني؛ فإن المنطقة تعتبر الأكثر تحضرًا في تاريخ الغرب المتوسطي (البحر الأبيض المتوسط) وتتفوق على مرسيليا وليفورن إلى غاية قدوم الغرباء الذين حطموا مدينة حضرية تغنى بها سيرفانتاس ورفاقه من الأسبان لفترة طويلة.

 

لما دخلت فرنسا إلى الجزائر استعملت كل ما لديها من منظومات العنف، كل الهمجية في التعامل مع الإنسان والحيوان والبيئة، لماذا لم يكن للثورة الفرنسية 1789 التي جاءت بقيم حقوق الإنسان والديمقراطية مفعول على هؤلاء الغزاة المحتلين؟

. لقد تعرض المجتمع الجزائري أكثر من غيره إلى عملية تفكيك شاملة جراء الحركة الاستيطانية الأوروبية؛ والسياسة القمعية التي مارستها السلطات الاستعمارية إزاء النخب الاجتماعية العليا ومصادرة الأملاك العقارية الخاصة بأوقاف المساجد والزوايا وأبناء السبيل، فأدت هذه الحملة الصليبية "المقدسة" إلى تفقير وانهيار النخبة العالمة والمسيرة العسكرية والمخزنية التقليدية وإلى ذوبانها بصفة نهائية حوالي 1900م.

وقد شملت عملية الانتزاع العقاري إلى حد سنة 1899م، حوالي 224 قبيلة وما ينيف عن مليون ساكن، ويفيد تحقيق أُجْرِيَ سنة 1895م أن الأهالي فقدوا من جراء عمليات المصادرة والبيع القسري أكثر من 5. 056. 000 هكتارا، كما تخلوا عن ملكية 2. 5 مليون من الهكتارات إلى سنة 1920م.

والأمر يدل على مؤامرة فرنسية؛ لأن الحملة الصليبية المقدسة لعام 1830م كما دعا إليها شارل العاشر ووزيره تاليران؛ هي من النوايا التوسعية لنهب كنوز "القراصنة" المخبأة في القصبة، كما ذهب إلى ذلك جل من درس التاريخ الجزائري المعاصر.

أول شهادة عن مبلغ ما نهبته الحملة؛ ما أوردته التقارير التي نشرها (أ.م. بيرو) في ديسمبر 1830م، وقدر المبلغ بـ270.000.000 فرنك.. إن عملية احتلال الجزائر بالنسبة للفكر الكولونيالي تعد فاتحة جديدة للهيمنة الغربية على شعب مسالم كانت له علاقات سلمية قوية مع فرنسا؛ إذ إن العلاقات ـ الجزائرية الفرنسية - كانت قديمة إلى حد كبير تسمح بإقامة صداقة قوية وتعاون دائم. لقد تعرض المؤرخون لعمليات إحصاء سكان الجزائر عند بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر، واستنتج المؤرخون النزهاء أن عدد سكان الجزائر يزيد عن 10 ملايين نفس، حسب الرقم الذي افترضه: حمدان خوجة.

وأما بير بيان، في كتابه (سطو على مدينة الجزائر)، فيقول "استنادا للرواية الرسمية، ذهب جيش إفريقيا باسم الحضارة الغربية والمسيحية لتأديب "البرابرة"، لكن الواقع يقول بأن مهمته كانت طرد الداي ونهب الجزائر.. وهكذا بدأت ما سماها الكثيرون "المهمة التمدينية لفرنسا في إفريقيا".

 

هل الوجود العثماني التركي يتحمّل المسؤولية الكاملة في هذا الاحتلال الفرنسي للجزائر؟

. الذي يتحمّل المسؤولية كاملة الدولة والمجتمع، لقد كانت الجزائر في العهد العثماني (1519/1830) دولة قوية مهابة الجانب بفضل حكامها (الداي شعبان، الداي محمد بن عثمان باشا، الباي محمد الكبير، باي وهران)، وآخرون لهم سمعة راقية في الحفاظ على وحدة الوطن ووحدة مكوناته الاجتماعية، وندين كجزائريين بوحدتنا الترابية للعصر العثماني، اسأل أي باحث متى دخلت قسنطينة وبجاية تحت سلطان الجزائر، ثم كيف عالج حكام المرحلة قبائل ثائرة ومتنازعة، وكيف أداروا بلدًا بحجم قارة.. لأن هناك كثيرا ممن يفكر كتفكير الفرنسيين أن الجزائر هبة فرنسا الاستعمارية، وهو عين ما أجاب عن إشكالاته بشكل مقبول جدًا الباحث محمد ناجي الله الحميري.

لهذا نقول خلاصة مما تعلمناه وخبرناه، ما وقع في الجزائر منذ الحصار الشهير سنة 1827، إلى غاية سقوط مدينة الجزائر البيضاء، هو أمر طبيعي كما كان ذهب إلى ذلك المؤرخ المرموق جمال قنان رحمه الله. إن الأجيال المتعاقبة منذ 1519 إلى غاية 1830، لم تستوعب الصراع الإسلامي الصليبي في الحوض الشرقي والغربي للمتوسط، وكانت نتيجته خروج أوروبا العجوز من القارة الأوروبية وصناعة تاريخ آخر في كندا وأمريكا وأستراليا ونيوزلندا. أما نحن فأصبحنا نهبًا للغرباء من فراخ الصليبيين، ومن أراد فهم الأمر فعليه أن يراجع مدونة الاستشراق الفرنسي للباحث الجاد محمد عشماوي زيدان، وبيان الدكتور المؤرخ ناصر الدين سعيدوني (المسألة الثقافية في الجزائر).

 

ماذا حدث بالضبط للأسطول البحري الجزائري الذي كان له حضور فاعل في البحر الأبيض المتوسط، هل فعلا الأمريكيون هم من أنهوا قوة الأسطول الجزائري؟

. انتهى الأسطول الجزائري في معركته الشهيرة مع الأسطول الأمريكي، وتلاشى نتيجة حملة اكسموث (1816م، ومنذ نهاية الرايس حميدو رحمه الله دخلت الجزائر في دوامة، وأثبت البحث الدقيق أن هذه هي نهاية العظمة الجزائرية وليس معركة نفارين كما يذهب إلى ذلك جل البحثين، فلم تكن الجزائر تملك إلا سفينتين حاصرتهما فرنسا في سواحل مدينة الإسكندرية/ حينها عرفت بريطانيا وفرنسا تدهور قوة الجزائر، وبدأ السباق لاحتلالها وقهرها في مؤامرة يهودية فرنسية شهيرة ستكون بداية تطور المال اليهودي مع عائلة آل روتشيلد.

 

تقولون إن الفرنسي كان مضحكة عند الألمان ويسمى بـ (البيكو)، لكن الاحتلال الفرنسي للجزائر خلّف آثارا في بنية الذاكرة الجماعية للجزائريين وورثوا عقدة نقص مازالت ذات مفعول إلى غاية اليوم، هل هو بسبب اللغة والظروف الاقتصادية والاجتماعية؟

. اللاتينيون عامة هم من أحقد شعوب الأرض على العرب والمسلمين، وفرنسا تحديدًا كانت ولا تزال الأرض التي تتآمر على العرب منذ سايكس بيكو إلى أحداث طوفان الأقصى (7 أكتوبر 2023م)، لهذا تكونت أدبيات كراهية العرب والإسلام في صلب ثقافة جماعة كليني الدينية التي تمكنت من طرد المسلمين من الأندلس، فالدور الفرنسي غائب في ذاكرتنا الجماعية، لأن مساحة الوعي بالتاريخ ضئيلة جدًّا عندنا، فحين دخل الفرنسيون إلى بلدنا، نشروا الرذائل والمفاسد وفككوا المجتمع وأحلوا بدلا منه شذاذ الأفاق من إيطاليين وأسبان وكورسيكيين وألمان، وكل من لا يجد موضع قدم في بلده، وانتشروا نهبًا لتراثنا وقمعًا لأهلنا وهذا بتحالف المال السويسري والبنوك الفرنسية، كما شدّد عليها المؤرخ التونسي نور الدين الدَّقي، والأكثر فضاعة هو تحويل أخلاق العربي الفيلسوف أيام زمان عند الغربيين إلى العربي القذر، وأحسن من عالج هذه القضية بشكل راق جدًّا الباحث البريطاني إيمانويل سيفان الاستعمار والثقافة الشعبية في الجزائر، وخاصة مع المجلة الشهيرة (كاقايوس) أو مجلة زوج دورو، وهي صورة العربي في ثقافة الكولون، خاصة الأسبان وهم فرنسيون من الدرجة الثانية، فحين تقرأ ثنايا هذا العمل المحايد وقد لا يصدق ما نشرته الصحف الكولونيالية في الجزائر عن الجزائريين وما بثته المسرحيات والنشريات والروايات التي كان يشرف عليها أصحاب الأقدام السوداء... ولكن على هذا القارئ أن يتأكد أن ذلك الماضي البغيض يتأكد ذلك أنه قد حدث فعلاً في بلاده التي يحاول اليوم بعض أهلنا أن ينسوا أو يتناسوا، وأن يدفنوا ذاكرتنا في التراب، وأن يفتحوا أبواب الجزائر من جديد لنفس الذين كانوا يعاملون أهلنا معاملة المنبوذين، بل معاملة أقل من الحيوانات الدنيا.

لو يطلع الجزائري على ما كانت تكتب رواية (كقايوس) لعمل لقرون مقبلة على رفع الوصاية الفرنسية حقيقة على الجزائر، مهما كانت علاقة الدول والمجتمعات، لهذا أرى أن ما يربطنا بفرنسا هي صفحة سوداء وبحر من الدماء وعشرة ملايين من الشهداء.

 

ما هي اللمسات التي ورثتها الجزائر عن الثقافة الأندلسية؟ كيف نعيد إحياء القيم التي جاء بها الأندلسيون في العمل، والتجارة، والعلم...؟ خصوصا وأن الأوروبيين كانوا متأثرين بازدهار الحضارة بالأندلس؟

. أوروبا عامة والعالم خاصة يعترف بأستاذية العرب للإنسانية لأكثر من ألف عام، وكان عبور الكتاب والتقاليد الدبلوماسية والأناقة والتحضر تمر عن طريق صقلية وجنوب إيطاليا والأندلس عامة إلى الغرب إلى بريطانيا وفرنسا وبولونيا [وهي الدول التي سترث جامعة قرطبة وغرناطة وعلوم العرب والمسلمين]، وهؤلاء سادة الإنسانية، حين سقطت دولتهم حولوا خبرتهم إلى الجزائر وتونس والمغرب الأقصى بشكل يثير حيرة العلماء، وأكثر من اعتنى بهذا التأثير الإبيري على الجزائر أستاذنا سعيدوني أطال الله في أنفاسه.

فرنسا صليبية اليوم وبعد ألف سنة، أعرف المجتمع الفرنسي الذي عشت بين جنباته لأكثر من سبع سنوات، فإذا قيل لك إن فرنسا بلاد الحرية والعدالة وحقوق الإنسان فلا تصدق (فرنسا هي البنت المدللة للكرسي البابوي)، فعلينا أن نأخذ حذرنا من فرنسا الصليبية.

 

ألا ترون أن التفجيرات النووية في رڤان بأدرار وإين كر بتمنراست هي انتقام عنصري صليبي ضد الجزائريين، خصوصا وأن المحامية فاطمة الزهراء بن براهم تشير إلى أنها تمت بمساعدة علماء يهود من إسرائيل كرد فعل على عبد الكريم المغيلي الذي تصدى لنفوذ اليهود بشكل عام بأدرار؟

. جريمة رڤان وحمودي وإين كر [13 فبراير 1960م] جريمة في حق الإنسان والحيوان، وهي جريمة مضاعفة حين نعلم أنها قنبلة صهيونية فرنسية كما أثبتها الفيزيائي العراقي الأصل كاظم العبودي الجزائري الجنسية رحمه الله في كتابه الراقي "يرابيع رڤان" لمن أراد أن يراجع التاريخ والجغرافيا بعيدا عن خدم فرنسا الأوفياء؛ فإن البلوتينيوم يدوم أكثر من 24 ألف سنة، والإشعاع النووي يبقى ما يقارب 4.2 مليون سنة، بمعنى أن فرنسا رهنت استقلالنا بحرماننا على الأقل من ألف كلم2.

 

الجزائر اليوم هي في حجم قارة، لماذا تخلت عن امتدادها الحقيقي في البحر المتوسط وفي إفريقيا وأصبح هناك نوع من الانكفاء على الذات، وبات ما هو محلي من ثقافة يختزل ما هو عالمي، وهذا أثر على بنية المدن وحتى السياحة؟ خصوصا وأنك تقول بأن العاصمة كانت من أجمل المدن في العالم؟

. الجزائر الآن في عرف الساسة في ماتينيون ووزارة الدفاع والكيدورسي، هي الجزائر التي كانت تحمي القارة الإفريقية، لهذا ما كانت تخشاه فرنسا من انكشاف عملائها، هو عين ما كان يقلقها في فترة الحراك السلمي وازدياد منسوب الوعي بمخاطر فرنسا التي تعاون معها وحمى مصالحها بعض ممن نحسبهم أبناءنا وساستنا، لهذا وجب علينا النظر بشكل راديكالي فيما يجمعنا بهذه الدولة التي تهيننا في كل مكان وتتحالف ضدنا في كل الهيئات الدولية، دون اعتبار للأعراف الدبلوماسية ولا العلاقات التاريخية بين الدولتين، لهذا وجب الحذر من فرنسا ألف مرة.