
نشر الصديق واسيني الأعرج في "القدس العربي" مقالا له بعنوان: هل يجب "إخفاء" الماسونية من حياة الأمير عبد القادر ("إخفاء" الموضوعة بين مزدوجتين من النص الأصلي).
نص مقال السؤال بدا لي يجيب: كلا! لا يجب. وعليه، فالأمير كان ماسونيا.
إذا كان الأمر كذلك وجب كشف وثائق تثبت ذلك من محفل الماسونية نفسها، كما وجب ذكر المرتبة التي كان يحتلها الأمير عبد القادر في المحفل (مرتبة المبتدئ، مرتبة أهل الصنعة، مرتبة الخبير).
لا يخفى على المطلع على تاريخ الماسونية وقواعد سيرها ونظامها أنها "تَحْظر على المنتمين إليها مناقشة ما هوديني وسياسي".
وبناء عليه، لا يمكن للأمير أن يخترق هذا الحظر إن كان فعلا منتميا. أما "التعاطف" معها، إن حدث، فلا يدعو إليه سوى سياق محدد في الزمان والمكان.
فإن كان هناك، في العالم وعبر التاريخ، منظمة تحيط وجودها بالغموض وتنتهج السرية المطلقة في نشاطاتها العميقة فهي الماسونية؛ التي تشكل، في الواقع، "حكومة العالم" ذات النفوذ الهائل بوزرائها السريين (وهم من أفضل النخب العالمية) في السياسة والدبلوماسية والمال والتجارة والاقتصاد والإعلام والفكر والثقافة والآداب والفنون وتشرف من وراء ستار سريتها على منح مختلف جوائز نوبل والجوائز العالمية والعربية الكبرى.
ولأن فرنسا تعد أحد أهم مهاد الماسونية المتغلغلة في ثنايا الحكم وفي المؤسسات السياسية والمالية والإعلامية والجامعية الكبرى فإن رؤساءها جميعا (حتى الحالي) هم منتمون إلى محفل الشرق الكبير، وقبلهم ملوكها وأباطرتها.
ما أثارني به سؤال المقال هو لماذا طرح، بالذات، في هذا السياق التاريخي والسياسي الذي يعرف تأزما غير مسبوق بين بلدين، يكون الأمير عبد القادر هو الحبل المشدود بيدين بقوة بين ضفتين؛ مع اعتقادي أن الحبل قد تم استرجاعه نهائيا قبل ثلاثة وستين عاما.
نحن نعرف ما يخلفه وقع "الماسونية" في ذهن الإنسان الجزائري اليوم، نظرا إلى ما يحمله في شعوره تجاه هذه الحركة وما يمتلئ به وجدانه عنها: كونها تَحْظُر الدين، لأنه لا دين لها، وكونها ذات علاقات عميقة ونافذة لا تنتفي عنها شبهات ما يقوي الأقوياء أكثر.
وبالمقابل ما يخلفه لدى الإنسان الجزائري ذكر الأمير عبد القادر وحده؛ إضافة إلى الشعور والوجدان تجاه رجل استثنائي فذ وعارف، تكرس في المخيال الجمعي مرجعا تتأسس عليه نظرتنا إلى ذاتنا مقابل الآخر، وأحد مرتكزات ذاكرتنا التاريخية والدينية الجماعية.
أن تزعم اليوم لجزائري بأن الأمير عبد القادر كان ماسونيا أو متعاطفا معها فأنت لا تشكك في إسلامه فحسب ولكن أنت تقوض، من حيث لا تدري، أحد أساسات البناء التاريخي والثقافي والفكري والروحي لأمة بكاملها.
فلا يمكن للجزائري أن يقبل، بأي حال، أن يتم تقريب الأمير عبد القادر من الماسونية أو تلبيسه رداءها أو وضعه في أحد كراسي مراتب محفلها.
إن الخلط بين "ماسونية" الأمير عبد القادر وبين صوفيته لا يدل، للأسف، سوى على نوع من الارتباك والاضطراب ومن التشويش.
إنْ زعمنا أن محي الدين بن عربي كان ماسونيا حقَّ لنا أن نُتبع به مريده.
حذار!
فهناك تحريضات مختلفة على التشكيك في كلياتنا غير القابلة للتجزيء والعمل على إعادة النظر في ما صنعناه من تاريخنا وما ركبناه في وجداننا وصغناه لذاكرتنا الجماعية.
تاريخ الماسونية كله لا يثبت أنها كانت إنسانية.. أبدا.
فإنه يكفي النظر إلى أشهر المنتمين إليها في العالم لندرك ما فعلته وتفعله "حكومتها" السرية!
أخيرا، كتبت هذا التعليق ليس لكوني ولدت في منطقة ميلاد الأمير عبد القادر، التي ولد فيها أجدادي، ولا لكوني أنتسب إلى نسبه، ولكن فقط لأسهم في نقاش يلزمنا بأن نكون على درجة عليا من المسؤولية تجاه رموز تاريخنا.