المؤرخ ستورا يقترح مخرجا للأزمة بين الجزائر وفرنسا

38serv

+ -

في خضم أزمة معقدة ولا نهاية لها في الأفق المنظور، أدلى المؤرخ الفرنسي، بن جامين ستورا برأيه ووجهة نظره، منطلقا من مجال تخصصه، معددا اسقاطات ذلك على الراهن ومآلاته، مع طرح السبل التي قد تسمح، في نظره، التموضع بشكل مختلف تجاه جراح الماضي المعقد والمأساوي، على حد تعبيره.

وقال ستورا، في حوار مطول مع مجلة "إسيتوريا"، اليوم، إن الشلل الذي أصاب العلاقات بين البلدين هو حالة غير مسبوقة في تاريخهما منذ الاستقلال سنة 1962، بالمقارنة مع فترات تأزم حدثت أثناء تأميم الجزائر للمحروقات في عام 1971، أو عندما عارض الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران وقف المسار الانتخابي في عام 1991. 

لكن هذه المرة يبدو التوتر أعمق من أي وقت مضى، بتعبير المؤرخ، ودل عليه غياب سفير جزائري في باريس منذ عدة أشهر، وإغلاق قنوات التعاون التقليدية في مجالات الأمن أو الهجرة أو القضايا الثقافية، الأمر الذي لم يحدث من قبل على الإطلاق، يضيف المتحدث.

وبرأي مؤلف العديد من الكتب حول تاريخ الجزائر، فإن نقطة التحول والتدهور، جرت خلال صيف عام 2024، عندما اعترفت فرنسا بمخطط الحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية، كون قبل هذا التاريخ كانت الجزائر تستقبل المرحلين والمبعدين من التراب الفرنسي بشكل عادي.

وبعد وضع الأزمة في سياقها التاريخي، المتعلق بطبيعة الاستعمار الفرنسي للجزائر، ومحاولة فرض نموذج الضم على أساس جعل الجزائر فرنسية، بطريقة غير مسبوقة في التاريخ، وقوة الاستقلال والآلام التي صاحبته ووقعه الصادم على الفرنسيين، قال ستورا "ظنوا أنهم سيستطيعون محو ذلك عبر الأجيال التالية، لكن التاريخ لا يُمحى، بل ُنقل من خلال الكتب أو الأعمال أو الأفلام، أو بشكل سيئ، عندما تم ذلك من خلال أشياء غير منطوقة، أو استياءات، أو خيالات غير متفق عليها".

وفي رده على سؤال يتعلق باستخدام الحكومة الفرنسية التلويح بنقض اتفاقيات 27 ديسمبر 1968 الذاكرة أداة للضغط على السلطات الجزائرية في الأزمة، قال المتحدث إن مراجعة هذه الاتفاقيات يعني إخضاع الجزائريين لما يمكن تسميته بالقانون العام. 

ولكن الحديث عن الإلغاء، يعني في تصور ستورا أن ما وقعه الجنرال ديغول في عام 1968 لم يكن جيداً، مشبها التراجع عن هذا التوقيع بمثابة تحد ضمني وغير واع لما وقعه الرئيس الفرنسي أيضاً في عام 1962، أي اتفاقيات إيفيان، يضيف المتحدث. 

وبالنسبة للمخرج الممكن في نظره، هو اللجوء إلى المفاوضات، مع الأخذ في الاعتبار خصوصيات الوضع القائم، حيث يعيش العديد من الجزائريين أو الفرنسيين من أصول جزائرية في فرنسا والتدفق الذي ينتج عبر الروابط العائلية القائمة، مشيرا إلى أن هذا يخلق مساحة مختلطة فرنسية جزائرية كبيرة، هي في كل الأحوال إرث من تاريخنا ويمكن التفاوض عليها".

واعتبر ستورا، أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تناول قضية اتفاقية 1968 من منظور سياسي بحت، لاقتا إلى أن كل إجراءات التلويح بمراجعتها كانت تتم بشكل قانوني غير علني، وهو ما يعيد للأذهان في نظره ذكرى عام 1962.

واقترح المؤرخ حلولا، بالقول إن التحدي الحقيقي يتمثل في البحث عن سبل التهدئة بدلاً من إعادة إيقاظ الذكريات المؤلمة باستمرار، ضاربا مثالا بتجربته الشخصية في معايشة الحرب في الجزائر والمنفى والفقر عندما وصلت عائلته إلى فرنسا.

وعن إمكانية أن يكون التاريخ طريقا للمصالحة أو للتدهور أكثر في العلاقات بين البلدين، يرى المتحدث، أن كثرة وكثافة التاريخ قد يؤدي إلى إعادة فتح الجراح، ولكن في الوقت نفسه فإن غياب التاريخ يعزز الإنكار والخيال والاستياء الخفي، معتبرا أن التحدي هو كيف تجد الحل الوسط؟ .