ثقافة

سليمة مليزي.. مسيرة إبداعية تتوقد بين أدب الطفل وعبق التراث

من واحة الطبيعة الساحرة في "بني عزيز" ولاية سطيف، حيث بيت جدها، تستلهم مليزي شغفها الأول: "فربما الأشياء الجميلة في الطبيعة تركتني أبدع".

  • 1917
  • 2:37 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

كان لنا لقاء ودردشة مميزة وثرية جمعتنا بالأديبة والإعلامية سليمة مليزي بمعرض الجزائر الدولي للكتاب، والتي تحدثت عن مسيرتها الأدبية الحافلة، وتنقلها بين الأدب والإعلام. بثقة كاتبة وبشغف إعلامية، تسرد لنا سليمة مختلف مراحل حياتها، حاملة بين طيّاتها سيرة قلم توّاق للجمال، وروحا توّاقة للحفاظ على هوية شعب. بسكينة الواثق من انتمائه، توقّع مليزي على إصداراتها الجديدة بجناح منشورات رومنس القرن 21، محفورة باسم عائلة ثورية هي زينتها وفخرها، ابنة للشهيد، وحفيدة للعالم والفقيه نور مليزي القاضي، وابنة لمجاهدة غرست فيها، منذ نعومة أظافرها، حب الوطن.

من واحة الطبيعة الساحرة في "بني عزيز" ولاية سطيف، حيث بيت جدها، تستلهم مليزي شغفها الأول: "فربما الأشياء الجميلة في الطبيعة تركتني أبدع". ومن هناك، انطلقت رحلتها في ثمانينيات القرن الماضي، مبشرة بعصر جديد لأدب الطفل بإصدارها أول قصة بعنوان "العصفور والضفدع"، لتحصد في 1982 الجائزة الأولى في القصة القصيرة.

لم يقتصر عطاؤها على الكتابة بل امتد إلى الأثير، من خلال برامج الأطفال في الإذاعة الوطنية، وإلى الصحافة المكتوبة عبر تجربة مع "جريدة الجمهورية" والنادي الأدبي. وبعد نهاية دراساتها الجامعية، التحقت بـ"جريدة الوحدة" لتحقق هاجسها الأكبر خدمة أدب الطفل، فأسست ملحقاً للأطفال رفقة زملائها، تطوّر لاحقاً إلى أول مجلة متخصصة للطفل في الجزائر، لتحصد بعدها الجائزة الأولى لرئيس الجمهورية.

بعد هذا الزخم، آثرت أن تكرّس 23 عاما من عمرها لتربية أبنائها، في غياب اختياري عن الساحة الأدبية. لكن شغفها لم ينطفئ، لتعود بقوة في 2011 مسلحة بفضاءات التواصل الاجتماعي التي مكّنتها من العودة كصحفية تنشر في "جريدة الشعب" بصحبة الأستاذ الراحل بن بلة فنيدس، حيث أشرفت على صفحة "فوانيس"، ثم في "جريدة السياحي".

ومنذ عودتها، أثمرت تجربتها عن حصاد ست إلى سبع جوائز دولية في النقد والشعر والقصة، وإصدار ثمانية دواوين شعرية، وكتاب في النقد، ومجموعة قصصية، فضلا عن ترجمة أعمالها إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية. كما أبدعت في كتابة قصيدة "الهايكو" اليابانية، وأدب الرحلة، وسجلت ثماني حلقات في برنامج "رحالة" بالإذاعة الجزائرية.

تحدي العودة إلى البراءة وكنوز الأجداد

في السنوات الأخيرة، قرّرت أن تعود إلى حبيبها الأول أدب الطفل، متحدّية صعوبات النشر، ومؤكدة: "يجب أن نطبع للطفل ونخدم أدب الطفل". كما اتجهت إلى توثيق التراث الجزائري، فجمعت مقالاتها ومحاضراتها عن اللباس التقليدي في كتابها الجديد: "اللباس التقليدي الجزائري بين الهوية والتراث: أصالته منذ ماسينيسا ويوبا الثاني إلى جزائر المجد".

وتؤكد مليزي على وجوب الكتابة والبحث في التراث الجزائري الذي يتعرّض كل مرة للسرقة، مؤكدة أن هناك شحا كبيرا في الكتابات في هذا المجال الخصب والحيوي، وترى أن مجرّد الاعتماد على اللوحات الزيتية لفنانين عالميين مثل "إتيان ديني" التي تنقل بدقة تفاصيل أناقة المرأة الجزائرية في بيوتها العتيقة، سيكون بمثابة التأريخ لهذا التراث وحفظه للأجيال، ولفتت إلى أنها طرحت هذه الفكرة في إحدى الندوات وهو ما لاقى إعجابا واسعا من الباحثين. كما ترى أن استحضار قصص الأمهات سيكون له وقع كبير على كتابة كنوز الجزائر التراثية، وقالت إن الجزائر كانت في كامل حضارتها قبل الحرب العالمية الثانية، حينها كان مثلا جهاز العروس يتألف من "القندورة والملحفة والحلي المتنوع".

وبثقافة موسوعية وتجربة صحفية غنية، تكتب مليزي في مختلف الأصناف الأدبية، مؤكدة أن للجزائر تراثا عريقا يمتد لـ17 قرنا، منذ عهد ماسينيسا، حيث كانت الحضارة والمطبخ والزراعة متطورة، قائلة: "الجزائر كنز عظيم.. من ليس له تراث كتراثنا، لا أعتقد أنه يفتخر".

هكذا تظل سليمة مليزي قنديلا مضيئا في سماء الثقافة الجزائرية، تنتقل بين أجناس الأدب ببراعة، حارسة للهوية، ومبدعة في صياغة المستقبل.