أخيرا، وجدت قصة "مقتل" الدركية الفرونكو - جزائرية، مريم صخري، داخل مقر ثكنتها في فرنسا، سنة 2011 في ظروف غامضة، طريقها الى الرأي العام، بعد إسكات دام 14 سنة.
تمكنت فضيلة صخري من كشف ما جرى لشقيقتها التي وجدت مرمية أرضا وتخترقها رصاصة على مستوى الكبد، داخل ثكنة في مدينة ليون.
وثّقت المتحدثة القصة في كتاب، بعنوان "قضية مريم صخري.. وفاة دركية"، بعد أن كسرت حاجز الخوف والتخويف من تداعيات الكشف عن أسرار القضية للرأي العام، ثم بحثت عن دار نشر توافق على نشر العمل، إلا أنها اصطدمت بحاجز الرفض، بالنظر إلى خطورة مضمون المخطوط وحديثه عن ما تعتبره المؤلفة "جريمة دولة" ومحاولة تدمير وإخفاء أدلة إثباتها.
وفي حديث مع "الخبر" بالصالون الدولي للكتاب بالعاصمة، أمس، روت فضيلة القصة بمرارة قائلة: "كانت حياتنا هادئة في مدينة ليون الفرنسية، تغمرنا السعادة ويجمعنا الدفء العائلي، قبل أن تتحول إلى جحيم، عندما قررت مريم التنديد بممارسات عنصرية اكتشفتها داخل الثكنة، حيث كانت تشغل منصبا محترما".
وبالسؤال عن طبيعة الممارسات، قالت فضيلة: "تجاهل طلبات النجدة والاتصالات المستعجلة التي ترنّ في الرقم 17، بمجرد إدراك بأنها من المواطنين من أصل مغاربي".

لم تتقبل مريم، بحسب ما روت شقيقتها بمرارة، هذه المشاهد تتكرر أمامها وارتأت كشفها والتنديد بها على مستوى إدارة الثكنة والمطالبة بمحاسبة مرتكبيها، بوصفها سلوكات خارجة عن نطاق القانون والأخلاق، فوجدت نفسها في مواجهة "عصبة" عملت على "تصفيتها" بدم بارد، تقول صاحبة النص.
بعدها، يروي الكتاب، التحولات التي بدأت تطرأ في المحيط المهني لمريم، والاستفزازات والشتائم التي تعرضت لها، وجعلتها تدرك أنها وُضعت نصب الأعين، على خلفية ما قامت به، لتتطور الأمور إلى شكوى رفعتها المعنية إلى الإدارة ضد زميل قام بمضايقتها بشكل مباشر.
اشتدت الضعوطات على مريم وكانت تُعامَل بـ"ازدراء وعنصرية"، وتتعرض لما وصف في سطور النص، بأنه "عمل هدم نفسي ممنهج" بإشراف أو تواطؤ من بعض المسؤولين.
ولم تتوقف المضايقات عند هذا المستوى، وفق فضيلة، وإنما بلغت حد اتهام مريم من قبل عقيد يدعى غيمار باستخدام قاعدة بيانات داخلية لمساعدة أم في البحث عن ابنتها المفقودة، مع محاولة متابعتها قضائيا في شؤون بسيطة للضغط عليها للتخلي عن عنادها.
ولم تمر أشهر عن التطورات، حتى فوجئت العائلة باتصال يبلغها بـ"انتحار" ابنتها، فراحت تركض في كل الاتجاهات وتتساءل عما جرى لفلذة كبدها، ليأتيها الرد صاعقا ومروعا أكثر من الموت نفسه.
أخبرت إدارة الثكنة العائلة بأن المعاينة الأولية ترشح فرضية الانتحار، انطلاقا من "وجود مصحف بحوزتها ورسالة وداع"، مع "تحليل دم يشير إلى 1,08 غرام من الكحول في الدم، غير أن العائلة عندما اطلعت على مسرح الوقائع لاحظت، أن موضع المصحف الشريف والسلاح في مكان غير منطقي".
توقفت فضيلة عن الكلام وشردت وتنهدت وغالبتها الدموع وهي تعدد خصال شقيقتها وأهوال الوقائع، لكن سرعان ما تماسكت واستأنفت تسرد بصوت حزين يضع المستمع في قلب الحدث، مبدية مخاوف من مضايقات وانتقامات محتملة عند عودتها إلى فرنسا، على خلفية نشر الكتاب.
وعلى هذا الأساس، انطلق التحقيق الداخلي، إذ لاحظت العائلة تلاعبا بالشهادات عن طريق تجاهل متعمد لبعض الشهود وتهديد ومعاقبة كل من يقدم شهادات تورط الإدارة، ومنهم أحد الدركيين الذي كتب تقريرًا يدين مسؤولين، تم نقله إلى منطقة نائية حتى لا يُستجوب، تضيف المتحدثة.
والغريب بالنسبة للعائلة، أن الجهة التي تولت التحقيق في مقتل ابنتها هي جهاز الدرك نفسه، فكان بذلك "حَكما وطرفا" في الوقت ذاته، خاصة أن مريم كانت قد اشتكت من ضابط برتبة عقيد داخل نفس الجهاز، الأمر الذي يجعل مسار التحري غير موضوعي وغير موثوق، في تقييم المتحدثة.
كما تضمن الكتاب اتهامات بإقدام الجهة المحققة على التلاعب بنتائج التشريح، من خلال "الحديث عن نسبة الكحول في دمها مرتفعة جدًا دون وجود زجاجات في المنزل"، مع استخدام "حادث قديم من الاكتئاب لتبرير فكرة الانتحار، رغم أنها كانت ناجحة مهنيًا ومقبلة على ترقية".
وظلت هذه القضية معلقة ومغلقة بفرضية الانتحار، ولم تجد طريقها إلى القضاء إلى اليوم، وسط معلومات غير رسمية تفيد باقتراب فتحها على مستوى القضاء. وفي جزء آخر، يتحدث الكتاب عن شبهات وعراقيل غريبة ومنظمة أمام نشر الكتاب في فرنسا، بالرغم من شعارات حرية التعبير المتداولة في البلد، التي تنفيها صاحبة المؤلف تماما، مشيرة إلى تعرضها إلى رفض وتثبيط كبيرين لإجهاض الفكرة في عقلها.
بعد هذه الخطوة، تواصل مع فضيلة إعلاميون فرنسيون كبار، من مجلة Détective وبرنامج TPMP لـCyril Hanouna، لكن سرعان ما اختفوا، وسط تساؤلات حول من وراء هذه القرارات.
لكن الفضل في النشر يعود، بحسب المتحدثة، إلى وسيط جزائري ومدير دار الحكمة، أحمد ماضي، الذي رحب بالفكرة وقدم كل التسهيلات لاحتضان العمل، وتكفل بكل تكاليف الاستضافة لعرضه في الصالون. ولم تشف عائلة صخري من فقدان ابنتها مريم، داخل الثكنة بتلك الطريقة، ولم يهدأ روعها وغليلها بعد، حتى تعرف الحقيقة الموؤودة، يوما ما، بتعبير شقيقتها فضيلة، وقد تجمعت في مقلتيها دموع الحسرة والحزن.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال