مجتمع

المراهقون.. مصيدة سهلة لمواقع التواصل

تأثير مواقع التواصل الاجتماعي والظواهر الاجتماعية على أفكار المراهقين حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي تمثل تحديا كبيرا أمام الأسر والمدارس.

  • 985
  • 8:39 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

يعاني الكثير من المراهقين، ومع التسارع الرقمي، من تأثير مواقع التواصل الاجتماعي والظواهر الاجتماعية على أفكارهم، هذه الأخيرة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية لديهم، خاصة مع ظهور المنصات التي بدأت كوسائل للتواصل والتعارف، ثم تحولت إلى فضاءات تعج بالأفكار وصور بعض الظواهر الاجتماعية التي اكتسحت الشارع الجزائري كالحرقة والهجرة، وتؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في قيمهم وسلوكهم ووجهاتهم، وحتى على قراراتهم المستقبلية التي تكون غير مضبوطة في سن يكون أدنى من 18 سنة.

إن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي والظواهر الاجتماعية على أفكار المراهقين حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي تمثل تحديا كبيرا أمام الأسر والمدارس، من خلال إعادة بناء العلاقة بين المراهقين والعالم الرقمي من علاقة استهلاكية سلبية إلى علاقة واعية، قائمة على المسؤولية والاختيار، في وقت أصبح الهاتف الذكي، وما يحدث فيه وسيلة تحدد رؤية المراهق وتفتح له أبواب يعتقدها مفتاحا لتحقيق أحلامه، غير أنها في حقيقتها تخفي أبعادا خطيرة وتكون نهايتها مأساوية.

وأشارت بعض الإحصائيات إلى أن أكثر من 90 بالمائة من المراهقين يمتلكون حسابات نشطة على منصات مثل "إنستغرام"، "تيك توك"، "سناب شات" و"فيسبوك"، ويقضون يوميا ما بين 3 إلى 7 ساعات في تصفح المحتوى، حيث يجعلهم هذا التفاعل المستمر مع العالم الافتراضي عرضة لتأثيرات متعددة، بعضها إيجابي لكن كثيرا منها يحمل في طياته تحديات ومخاطر، حيث يكون المراهق في هذه المرحلة العمرية الحرجة أكثر قابلية لتلقي المعلومات دون وعي وحذر، مما يجعلهم فريسة سهلة للتأثر بالأفكار السائدة، والظواهر الاجتماعية المتكررة، مثل الهجرة وتحقيق الأحلام.

ويحاول الطفل، وفي سن المراهقة، بناء الهوية النفسية والاجتماعية له وهي من أبرز التحديات التي يواجهها، حيث أن إدمانه على مواقع التواصل الاجتماعي تجعل كل ما يدور فيها نموذجا يقتدى به، ويجد المراهقون أنفسهم أمام  صور وفيديوهات ظواهر خطيرة تحمل عددا كبيرا من الإعجابات والتعليقات الإيجابية، حيث يقارن المراهقون أنفسهم باستمرار مع الآخرين ويشعرون بأن عليهم مواكبة الحياة المثالية التي يشاهدونها على الإنترنت.

وقد أصبحت ذات المواقع مسرحا لبعض الوقائع الجديدة والخطيرة التي يتم إعادة نشرها على نطاق واسع، تحمل سلوكات لا تتماشى مع قيمهم أو بيئتهم الأسرية، من أجل لفت الأنظار، وتصل إلى تغيير المواقف من قضايا أخلاقية أو اجتماعية، حيث تجد مؤثرين مراهقين ينشرون محتوى سطحيا لكنه خطير، مثلا عن كيفية التخلص من السلطة الأبوية والاعتماد على النفس والهجرة وتحقيق الأحلام دون الأخذ بعين الاعتبار الوسائل المستعملة والطريقة المثلى لتحقيق ذلك.

وقد كشفت العديد من الدراسات النفسية السابقة عن وجود علاقة مباشرة بين الاستخدام المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي، وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب لدى المراهقين، إذ يشعر البعض منهم بالإقصاء أو الفشل عندما لا يحققون الحياة التي يرونها لدى الآخرين، حيث يؤدي هذا الشعور أحيانا إلى الإحباط والعزلة.

وقد يدفع البعض إلى الانسحاب من الواقع، واللجوء إلى العالم الرقمي كوسيلة للهروب وتحقيق ما يرغبون فيه، وتصبح لديهم الحقيقة غير واضحة واللجوء إلى وسائل خطيرة لتحقيق ما يرونه في العالم الافتراضي ليكون حقيقة.

وتعد قضية هروب أطفال قصر ومراهقين من الجزائر العاصمة نحو إسبانيا في رحلة "حرقة" خطيرة، من الحوادث التي أثرت على الرأي الداخلي بشكل كبير، حيث أجمعت العديد من التعليقات عن دور الأسرة والأولياء في ظل هذا الواقع المعقد، حيث اعتبروا أن الأسرة والمدرسة خط الدفاع الأول في مواجهة التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي والظواهر الاجتماعية المصاحبة لها، مشيرين إلى أن المدرسة لا تستطيع العمل وحدها دون تعاون الأسرة، وهو ما يستلزم وجود برامج توعوية حقيقية تبدأ من المنزل مرورا بالمناهج، وصولا إلى منصات التوعية الرقمية التي يتابعها المراهقون أنفسهم.

وأجمع متتبعو الحادثة عبر صفحات الفايسبوك من مثقفين ومصلحين ومن المنتمين القطاع وغيرها، أنه من الخطأ التفكير في منع المراهقين من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ودعوا إلى إيجاد بدائل صحية للتفاعل الرقمي تشرح للمراهقين كيفية التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة والخطيرة على مستقبلهم وحياتهم.

   

"استقطاب المراهق الجزائري أخطر أنواع حرب العقول"

ويصف البروفيسور مراد ميلود، في تصريح لـ "الخبر"، المراهق الطفل بالغد القادم، وما يرسم له هذا الغد هو نوعية التربية والتلقين التي نقدمها له في الحاضر  سواء كان هذا التلقين عبر المؤسسات المجتمعية الخاصة بذلك مثل الأسرة، المدرسة ودور الحضانة، أو عبر وسائل الإعلام مجتمعة لما تكتسيه هذه الأخيرة من أهمية لدى الطفل، إذ أصبحت ـ يواصل المتحدث ـ هذه التكنولوجيا بفعل ما تمارسه من تأثير على الطفل تضطلع بعدة أدوار كانت تقوم بها مؤسسات أخرى كالأسرة والمدرسة، وحتى الشارع.

وأبرز أن الشركات العالمية والمنظمات، وحتى الدول، تعمل على أساس أن الطفل المراهق عالم قابل للتشكيل حسب الرغبات والأهداف المقصودة، وأنه رهان كبير على المستقبل والحاضر، إذ بامتلاكه والسيطرة على وعيه والتحكم في ميولاته يمكن امتلاك المستقبل والسيطرة عليه.

ولذلك ـ يقول ـ أصبح استهداف المراهق بالسيل الجارف من المعلومات الموجهة يضاهي حرب الرصاص، وتعد منصات التواصل الاجتماعي أحد أهم الفضاءات الافتراضية التي يستخدمها المراهقون وبشكل كبير ومكثف.

وأكد أن مواقع وفضاءات التواصل الاجتماعية قد اخترقت حياة المراهق اليومية بشكل ملفت للانتباه، وقد اتسع استخدامه للتكنولوجيات الاتصالية بشكل قلص تدريجيا من فرص تواصلهم الطبيعي، لذلك لم يعد من الجدير اليوم التأكيد على تغير أنماط حياتنا، لدرجة أن بعض الخبراء اليوم يصفهم كمستخدمين بالأفراد الافتراضيين، حيث يتواصلون ويبنون علاقات صداقة، يتسوقون ويشترون ويبيعون سلعا وخدمات ويحصلون على مزايا وأرباح بشكل طبيعي.

وألح المتحدث على أن فكرة النظر إليهم على أنهم مادة خام يمكن تشكيلها وتكوينها بكل سهولة وبأي طريقة. وعليه، يؤكد أن تغيير إدراكاتهم وتصوراتهم ورؤيتهم للواقع الاجتماعي الذي لا يعبر عن الواقع الحقيقي تعتبر من أبرز وأعمق المخاطر التي تواجههم.

وأوضح الخبير الرقمي أن الخطاب الموجه للطفل لم يعد مجرد وسيلة للترفيه أو التعليم، بل أصبح أداة لبناء الهوية وغرس القيم، وتشكيل التمثلات الثقافية والاجتماعية في بيئة رقمية مفتوحة، مفيدا أن ما يحمله من نصوص وصور وألعاب ومؤثرات سمعية وبصرية، باتت تشكل فضاء دلاليا يؤثر في وعي الطفل وسلوكه التوليدي، والذي أدي إلى ارتفاع سريع في عمليات التزييف العميق للواقع، والتي أصبحت الآن أرخص وأسهل في الإنشاء من أي وقت مضى.

وقال: "تبقى الجريمة الأخطر هي حالة تزييف الوعي والإدراك للواقع، باستخدام الخوارزميات والذكاء الاصطناعي بطرق غامضة، والتأثير على الجانب النفسي المرتبط بالرغبة في الاهتمام وردود الفعل". 

وكشف أن الطفل في هذه المرحلة يتلقى المعلومة أو الخبر بعفوية تامة، ويتفاعل مع ما ينقل مضمونها بسذاجة واضحة، وهو أكثر أفراد المجتمع استجابة لمعطياتها ووقوعا تحت تأثيرها، وهي بذلك من أهم الوسائل تأثيرا على سلوك المراهق وبنائه الثقافي والاجتماعي.

كما أشار إلى أن من بين مظاهر التأثير وأكثرها فتكا، تزييف واقع أبنائنا بالانبهار بالحضارة الغربية. وهنا يحدد الخبير المشكلة الحقيقية التي يواجهها الطفل العربي عامة والجزائري خاصة، والتي تتمثل في انتشار بعض الأفكار والمظاهر المستوحاة من الغرب، والتي تحمل في ظاهرها معاني تختلف عنا في باطنها لكنها تنتشر في المجتمع بسبب عدم التفكر العميق فيما تتضمنه. 

وذكر البروفيسور ميلود أن منصات التواصل الاجتماعي تقود هذه الفئة أيضا إلى ما وصفه بـ "الهاوية السحيقة"، حيث صممت التكنولوجيا ببراعة لجذبهم، على غرار ميزات مثل أزرار "الإعجاب" والإشعارات ومقاطع الفيديو التي تبدأ تلقائيا تجعل من الصعب للغاية الابتعاد عنها.

وأضاف "في المقابل تجد المراهقين محدودي الاطلاع على عواقب عدم الاستغلال الأمثل لهاته التكنولوجيا، حيث لا يستطيع ـ يواصل ـ المراهق  التميز بين الأخبار الصحيحة والأخبار الكاذبة التي لابد أن يتشاركها مع الآخر، مع قيامه بفتح الحساب وغلقه ويضيف صديقا ويحذف آخر، ينشر ويضع الجام أو أي الرموز الأخرى التي تعرف بالإيموجي، والتي سهلت كثيرا من فرص التواصل لهذه الفئة مع عالمها الافتراضي الخاص بكل إحساسيه. وهو ما يؤكد، حسبه، مقدرة فضاءات التواصل الاجتماعي على احتواء فئة المراهقين من الأطفال وإدماجهم في عالم التواصل الافتراضي.

"تأثر المراهق يكون بسبب الأمن النفسي المؤقت"

من جانبها، أكدت الدكتورة حورية بن عياش، أستاذة علم النفس بجامعة برج باجي مختار بعنابة، أن فترة المراهقة تعتبر من أخطر المراحل العمرية بسبب التغيرات الفيزيولوجية والنفسية التي يتعرض لها الشاب، والتي تكون غالبا منبعا للتوتر والقلق وتؤدي إلى حدوث تقلبات مزاجية كبيرة، مضيفة، أن المراهق يعاني في هذه الفترة من ضغوطات متعلقة بتكوين الهوية وتحقيق الاستقلالية العاطفية، إلى جانب تأكيد الذات داخل أسرته وفي مجتمعه الصغير داخل المدرسة ومع الزملاء.

واسترسلت الدكتورة أن المراهق يبحث عن نماذج تكيفية تسمح له بإشباع حاجاته ورغباته وتحقق له التوازن النفسي والاجتماعي، كما تساهم في تأكيد ذاته كفرد بالغ مستقل وغير تابع، موضحة أن مواقع التواصل الاجتماعي تصبح بالنسبة له ملاذا آمنا، حيث تمنح له الشعور بالانتماء وتسمح له بتحقيق إشباعات نفسية واجتماعية.

كما كشفت أن ذات المواقع تشكل له فضاء للتعبير والتواصل يمكنه من الاندماج والتفاعل في عالم افتراضي غير مرئي يشعر فيه بالراحة وبالقدرة على التعبير عن أفكاره دون رقيب أو حسيب، بعيدا عن واقع يومي يثقله بالمتطلبات وبالضغوط والتوقعات.

وقالت أن عملية اهتمام المراهق بمواقع التواصل الاجتماعي تكون في بداية الأمر فضاء توفر له التسلية والترفيه من مشاهدة أفلام، الاستماع إلى الموسيقى وممارسة الألعاب، وهذا قصد التخلص من الملل وملء أوقات الفراغ. لكن مع مرور الوقت والتعود على تطبيقات الفيسبوك والإنستغرام وباقي التطبيقات، يتشكل السلوك الإدماني لدى المراهق حيث يصبح من الصعب عليه الابتعاد خوفا من تفويت أي أحداث أو تحديات إذا لم يكن متصلا.

كما تنشأ لديه ـ تقول ـ الرغبة الملحة في المتابعة الدقيقة لكل ما يتم نشره، وخاصة إذا قام المراهق بمشاركة بعض المنشورات وحاز على إعجاب و"لايكات" تعليقات إيجابية، بحيث يدفعه الشعور السريع بالرضا إلى تكرار السلوك مرارا، فيتشكل النمط الإدماني ويجد صعوبة في ترك هاتفه أو حاسوبه، لأنه لا يمكنه تحمل فقدان الاتصال أو التفاعل خوفا من العزلة أو التخلف عن مجموعته.

وفي ذات السياق أكدت الدكتورة، حورية بن عياش، أن لجوء الكثير من المراهقين إلى هذه المواقع يكون لدوافع عديدة، منها محاولة الاختفاء وراء مواقع التواصل الاجتماعي التي تعد ملاذا آمنا للكثير من المراهقين، حيث توفر لهم الأمن النفسي المؤقت والمزيف بحيث تشعرهم بأهمية أفكارهم وآرائهم، وبأن لديهم حرية التفكير والتصرف.

كما أوضحت أن المراهق يحاول الهروب من واقع معيشي معين لا يوفر له الاهتمام، وتجاوز ضغوطات وواقع مؤلم لم يتمكن من مواجهته لأنه يفوق قدرته على التحمل. وهنا يصبح الهروب آلية دفاعية، غير أنه في الكثير من الحالات غالبا ما يؤدي هذا الهروب إلى زيادة المشكلات وانفصاله عن واقعه.

وأضافت المتحدثة أن تعرض المراهق إلى الانتقاد من طرف أسرته بسبب أفكاره واختياراته التي يعتبرونها غير لائقة، يبحث عن هذه المواقع ليجد البديل الملائم لإشباعها والتنفيس عن مكبوتاته.

وعلى هذا الأساس توضح أن شبكات التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت حاضرة بقوة في حياة المراهق، لا تخلو من عواقب وتجاوزات خطيرة تؤثر على الصحة النفسية والذهنية للمراهق، من خلال ما يتم نشره من آفات ومظاهر اجتماعية سلبية، والترويج لها من خلال نشر صور وتعليقات تعمل على تعزيز ثقافة العنف والتسيب وعدم الخوف من العقاب ومن تبعات هذه الآفات.

وذكرت في الأخير أنه من بين الآثار السلبية لهذه المواقع نجد، الاكتئاب والقلق، خاصة مع التعرض المستمر للمحتويات السلبية والحياة الاجتماعية المثالية التي تظهرها هذه المواقع، وتؤدي بالمراهق إلى إجراء مقارنات مع نمط معيشته. كما قالت أنها تزيد من العزلة الاجتماعية، لأن الجلوس لمدة طويلة أمام أجهزة الهاتف أو الحاسوب يؤدي إلى الانعزال الاجتماعي والابتعاد عن العالم الواقعي مع انخفاض المشاركات الاجتماعية داخل العائلة.

وأضافت أن مواقع التواصل الاجتماعي تؤدي إلى الإحساس بتدني  صورة الذات، وذلك بسبب ما يتم نشره من صور منقحة غير واقعية تساهم في إنشاء معايير بعيدة عن الواقع تشعر المراهق بالنقص، وتقلل من تقديره لذاته، وتساهم في تصور مشوه للواقع وتؤدي إلى تكوينه صورة سلبية عن ذاته تزيد من معاناته وتخفض من ثقته بنفسه وبإمكانياته مع تدني جودة النوم.