مجتمع

"التبوريدة".. بين جمال الفرس وشجاعة الفارس

تراث تشتهر به منطقة تلمسان مصنف لدى منظمة اليونيسكو.

  • 203
  • 3:26 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

لا تزال الكثير من المناطق في ولاية تلمسان تشتهر بتربية الخيول وتتعلق بها كثيرا، إلى درجة أنه لا يخلو بيت من وجود حصان، ويعود حب مواطني تلمسان لتربية الخيول لكونها مصدر سعادتهم في المناسبات الدينية والوطنية، لما تمكنهم من ممارسة هوايتهم المفضلة وهي لعبة "الفانتازيا"، وهو ما يعرف محليا بـ"التبوريدة"، وهي لعبة تعتمد على انطلاق الخيل في سباق لإطلاق البارود، وهي صفة فنية تجمع بين جمال الفرس ومهارة الفارس في كيفية إخراج البارود من البندقية التي تسمى محليا "بالزويجة أو المكحلة".

حيث يستعرض الفارس أو الخيّال كما يدعى، مهاراته لإمتاع الجماهير الحاضرة، وتتطلب هذه التقنية اللياقة البدنية الكبيرة للفارس، إذ يحتاج إلى ترويض الحصان باستمرار من قبل والعناية به وفق برنامج مضبوط من العلف والتدريب والغسل والدواء وما إلى ذلك، ليكون في صحة جيدة تمكنه من منافسة الأحصنة الأخرى أثناء عملية السباق ولعبة البارود.

 وفي هذا يقول الفارس محمد.ب: "أول شرط يجب أن يتوفر في الفرس والفارس هو الأمان، إذ يجب على راكب الحصان أن تكون لديه ثقة كبيرة متبادلة بينه وبين فرسه. فالحصان دائما لديه إحساس إذا كان الفارس يمتطيه بهدوء وأمان واطمئنان فإنه تتوفر فيه شروط الأمن، أضف إلى ذلك أن الفارس يجب أن يكون على جانبيه مجموعة من الفرسان وتكون بينهم ثقة كبيرة أثناء عملية "التبوريدة"، لأن قرب البندقية من نظيرتها تشكل خطرا على أصحابها، خاصة وأن قائد المجموعة الذي يسمى بالمقدم هو من يقود الجماعة التي تدعى العلفة، وهو من يعطي إشارة إطلاق عملية الركض وخروج البارود على ميزان واحد ودفعة واحدة".

 ويتدرب محترفو هذا الفن الأصيل التاريخي على كيفية رمي البارود وفق الطريقة التي ورثوها عن أجدادهم الأوائل، وقد ظهرت صفة تشكيلة الخيالة في المهرجانات الخاصة بالتبوريدة وهم يركبون على ظهور الجياد.

 وهنا يقول فارس آخر: "هناك لباس تقليدي يلبسه الفرسان أثناء عملية التبوريدة والذي يتكون من قميص طويل والسروال الفضفاض والسلهام والعمامة التي يضعونها على رؤوسهم والحذاء الخاص، فيظهر هذا الأخير في أبهى حلة، في حين يتم أيضا تجهيز الحصان بالسرج المزين بعدة ألوان من الخيوط ولجام طويل يتحكم به الفارس في تحركات الفرس، وهم يحملون البندقية التي تنعت عندهم بالمكحلة المرصعة بخطوط متموجة".

 وعلمنا أن التبوريدة مصنفة ضمن منظمة اليونسكو نظير ما يكتسيه هذا التراث العربي الخالد، والذي يمثل فخر الجزائريين واعتزازهم بهويتهم الشخصية والتاريخية عبر التاريخ، وهي جزء من التاريخ الحضاري لوطننا، ويعرف حضورا قياسيا للخيالة في المناسبات العديدة خاصة موسم الوعدات الذي يشهد حضورا قياسيا للفرسان والخيول والذي يشكل علامة مميزة بطقوسها المتعددة.

 وأمام الأهمية التي تميز "التبوريدة" في حياة الجزائريين، فقد حظيت باهتمام كبير من قبل الكتاب الذين يرون أن الفروسية راسخة في الذاكرة الشعبية وتذكر الأجيال الصاعدة ببطولات أجدادهم في الدفاع عن النفس والوطن على غرار الأمير عبد القادر والشيخ بوعمامة، المقراني وغيرهم من زعماء المقاومة الشعبية في الجزائر والبطولات والمعارك التي خاضوها من أجل الدفاع عن الوطن ومواجهة الاستعمار.

 وتجد مسابقة الفروسية عندنا عناية كبيرة التي لطالما حملها الفرس على مر العصور والأزمنة وتظهر ما يزخر به التراث الوطني من تقاليد راسخة في مجتمعنا والالتزام الموجود للحفاظ على تراثنا الوطني العريق، وفي هذا السياق شهدت رياضة الفروسية التقليدية التبوريدة تطورا على مستوى تربية الخيول العربية الأصيلة والبربرية وما يستعمل فيها من أدوات تقليدية كالألبسة والبنادق التقليدية والخيام تعكس غنى تراثنا الشعبي المتنوع في عاداته وتقاليده، وتبرز في هذا الصدد مهرجانات الوعادي التي تعرفها كثير من مناطق الجزائر التي تعد أروع المناسبات التي تظهر أجمل اللوحات الفلكلورية، وهي فرصة للحفاظ على الموروث التاريخي وضمان استمراره بين الأجيال. وقد تزايد في السنوات الأخيرة الاهتمام بتربية الخيول وممارسة رياضة الفروسية وعلى رأسها لعبة التبوريدة التي أضحت تستهوي الجميع على اختلاف أعمارهم من شيوخ وشباب وأطفال.

ويظهر ذلك من خلال الفرق التي تظهر في هذه المناسبات بتشكيلاتها التي تسمى بالعلفة، وهي تضم مجموعة من الفرسان الذين يقترب عددهم أكثر من عشرة فرسان وفرس في الفرقة الواحدة يقودها شخص يعرف بالمقدم الذي يمثل محركها وموجهها وقائدها على أرضية الملعب، وهو الذي يفرض انضباطا كبيرا، وغالبا ما يكون المقدم أكبر الفرسان سنا ويقوم بمهمة التنظيم وتحفيز الفرسان.

وهو الذي يعطي إشارة انطلاق مسابقة الفروسية قبل إطلاق البارود من بنادق الفرسان الذين يقودهم والذين يظهرون في هذه المهمة مهارات كبيرة في فن البارود والفروسية وركوب الخيل وكيفية التحكم في الأحصنة وعملية انهاء سباق الفانتازيا في زمن واحد حيث يتلقون الإشارة من المقدم لإطلاق البارود من بنادقهم في وقت واحد وموقف موحد ينال إعجاب الجماهير التي كثيرا ما تحضر بقوة.