"نجمة قارس"...عجوز عاشت ثمانين عامًا دون أن تُنجب، لكنها كانت أمًّا للعديد من المواليد ذكورا أم إناث، هم اليومرجال ونساء في قرى ومداشر ولاية المدية.
حين لم يكن الطب يعرف طريقا بمداشر وقرى الولاية، كانت نجمة شاهدة على أولى صرخات الحياة في البيوت الطينية، كيف لا وهي القابلة التي ساعدت الكثير من الحوامل على الإنجاببخبرة فطرية لا تُدرّس في الجامعات.
نجمة.. لم تكن قابلة فحسب، بل كانت "الطمأنينة" التي تزور البيوت في جنح الليل، دون موعد أو تجهيزات، كان يُطرق بابها في ساعات متأخرة، في عزّ البرد أو القيظ، لتجد نفسها وسط وجع امرأة تخوض معركتها مع الولادة، دون تخدير أو فريق طبي، وبوسائل بسيطة لا تتعد الماء الدافئ، وأعشاب، دون أن تنسى الدعاء.
يقول عنها الحاج عسليالسلامي (ربيبها) أنها حتى وأن لم تنجبني إلا أنها كانت أجمل أم بالنسبة لي، وللعديد من أقراني الذين لا زالوا يذكرونها، مضيفا "كانت تلبي نداء الحوامل دون تردد، وكثيرا ما كانت تستدعى مرارًا لإنقاذ أمهات في مواقف طارئة".
كما كانت تحفظ خارطة الولادة بحكم خبرتها، حيث تعرف مَن أوشكت على المخاض، وتزورهن قبل الموعد، تهمس للأجنة وتطمئن الأمهات، كأنها تحمل حدسًا فطريًا يعرف متى يحين وقت الولادة، ومتى يجب أن تنتظر.
لم تتلقَ "نجمة" أي تدريب أكاديمي، لكنها كانت تتمتّع بشيء أهم، وهو ثقة الناس والعائلات، فكل أم تضع مولودها على يديها تمنحها لقب "أوما"، لمكانتها الكبيرة في قلوبهم.
رحلت نجمة أواخر سبعينيات القرن الماضي، ملتحقة بزوجها عسلي سالم، تاركة وراءها إرثًا إنسانيًا شاسعًا لا تحفظه كتب الطب، بل قلوب الأمهات، وعيون الأطفال الذين صاروا رجالًا ونساء.
واليوم، وبينما تستمر غرف الولادة في عملها، وتُستبدل القابلات بآلات الفحص، تبقى صورة نجمة قارس راسخة في الذاكرة الشعبية.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال