مجتمع

"خضرا بإذن الله".. حكاية رجل وحلم

سحب إليه وزارات بأكملها وألهمها لتنضم إلى رؤيته.

  • 2489
  • 2:01 دقيقة
فؤاد معلى. ص:ح.م
فؤاد معلى. ص:ح.م

من وسط جيش من المؤثرين والمؤثرات، الذين أدمنوا الإشهار والشهرة وسرد القصص والتجارب في الفضاء الافتراضي بكل روافده، يبرز فؤاد معلى بمشروع "الجزائر الخضراء"، ملوحا بفسيلة وفأس، ومواجها واقعا عصيا على التغيير ومدعوما بمئات آلاف "اللايكات" والمتابعين والمشجعين.
بشعار "خضرا بإذن الله" وحركة يدوية رمزية من اليمين إلى اليسار، وتوجيهات مقتضبة ودقيقة في غرس الأشجار في الأحياء والصحارى والسهوب الجرداء، استطاع الرجل ترميز فكرته، ودفع وزارات ومئات الآلاف للعودة إلى ثقافة البيئة والمحيط التي اختفت تماما.
رمى الرجل بمشروعه في الفضاء الافتراضي بعفوية، فاحتضنه ملايين من المعجبين والمتابعين، ورمى به إلى الأحياء والشوارع المحتلة بالإسمنت والبلاط والتزفيت والفولاذ، فاحتضنه المتطوعون والمحسنون.
لم ينجُ المتطوع، وهو في أوج المواجهة مع العدمية، من التثبيط والتشكيك والاتهامات باستغلال المشروع لكسب المال والشهرة، فظهر ذات يوم مقهورا ومتذمرا ومحاولا إقناع متابعيه بأنه لا ناقة له ولا جمل، والعكس الذي يحدث، فقد أهمل محيطه ومصالحه من أجل تجسيد حلم "الجزائر الخضراء".
ويدرك معلى أن الزمن البيولوجي قد لا يكفيه لمشاهدة البقع الجرداء قد اخضرّت ونمت فيها أشجار باسقات وبسطت ظلالها على الأجيال اللاحقة، لكن حركة الزمن في مخياله ووجدانه لها وتيرة مختلفة، تجعله يرى فسائله ماثلة أمامه وصاعدة وقد صدت زحف الرمال وحررت المدن من لونها النحاسي وغسلتها من غبارها واصفرارها المزمن.                     هذه الصور التي تحتل مخيلته، أمدّته بعزيمة لا تقهر للتنقل في كل ربوع الوطن لرسم لوحته الخضراء. وما مشروع المليون شجرة الذي اُطلق أمس سوى بداية ومقدمة للذهاب أبعد.

سحب فؤاد إليه وزارات بأكملها وألهمها لتنضم إلى رؤيته المبتكرة، بينما العكس الذي ظل يحدث، يلاحق الناس الإدارات والمكاتب لتحقيق آمالهم وطموحاتهم وافتكاك حقوقهم.

من الأحياء البعيدة عن المركز، يظهر الرجل موقظا للضمائر الخاملة التي تخلت عن الشارع وانهزمت أمام الاصفرار والإسمنت والغبار، وموقدا لشعلة القلوب التي أطفأها التطبيع مع الرداءة والتطبع على الكسل واللامبالاة والتقوقع في الفضاء الخاص و"من بعدي الطوفان".
استطاع فؤاد بجهد مستدام ومنظم، إضافة كلمة "خضراء بإذن الله" إلى قاموس الجزائريين، ومنه إلى معجم الحكومة المكتظ بتجارب ومحاولات سابقة.

التأثير الذي استطاع أن يوقعه معلى في نفوس الناس، هو التأثير الحقيقي بعيدا عن البحث عن "اللايكات" لرفع نسبة المشاهدة وتحصيل أموال طائلة عن طريق نشر قصص شخصية وتفاهات لا تسمن ولا تغني من جوع.
فؤاد وثلاثة من أمثاله أحدثوا رجة في العقل الجمعي، لإيقاظه من موت سريري طال أمده، بالنزول إلى الشارع ومواجهة الواقع كما هو وإخراجه من طابعه التقليدي العمودي، واقتراح فلسفة أفقية ودائرية، تتجاوز الأساليب البالية.
راكم أصيل ولاية باتنة رساميل عديدة، في التواصل الافتراضي والثقة والعفوية، جعلت المواطنين يلتفّون حول مشروعه البيئي الذي بدا مستمرا وبعزيمة فولاذية.