مجتمع

قضايا ما بعد الطلاق تشعل المحاكم

دراسات تؤكد أن جرائم العنف ضد المطلقين ترتكب ممن يعانون اضطرابات.

  • 273
  • 5:14 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

يحتاج المجتمع الجزائري، إلى تعزيز ثقافة التعامل ما بعد الطلاق، في ظل الارتفاع المتزايد للنزاعات وحالات العنف الأسري المرتبطة بإجراءات الانفصال، حيث لم يعد الطلاق مجرد فعلا عابرا بل أصبح في كثير من الأحيان على حافة جريمة عنف بين الزوجين قد تتحول إلى جريمة مشددة.

تجد المرأة التي تطلب الطلاق نفسها أحيانا عرضة لانتقام الزوج الذي لا يتقبل فكرة الانفصال نفسيا ولا اجتماعيا، كما لا يستثنى الرجل بدوره من أشكال التعنيف النفسي في عديد الحالات، حيث ومع تفجر التوترات المؤجلة بين الطرفين مع الطلاق يميل بعض الأزواج إلى ارتكاب أفعال يجرمها القانون، ويتحول الأطفال إلى أداة انتقام بين الوالدين من خلال عرقلة الزيارات أو حرمان أحدهما من رؤية أبنائه، وهو فعل معاقب عليه قانونا ويغرس الكراهية والتحريض ضد الأب أو الأم والذي يعد بذاته عنفا نفسيا ضد القاصر.

وقد سجلت مختلف المحاكم الجزائرية، العديد من القضايا التي تسبق ساعات النطق بالحكم النهائي للطلاق وتنتهي بجريمة، على غرار تشويه الوجه ومحاولات الطعن والقتل إلى جانب خطف الأطفال والتهديد اللفظي، ما يحول لحظة نهاية الحياة الزوجية إلى بداية صراعات دامية وتصفية حسابات كانت نتيجتها انفصالا محفوفا بالعنف والماسي، وتصرح ممارسات لا تعكس فقط انهيار العلاقة الزوجية، بل تشكل انحرافا خطيرا عن مقاصد القانون ومبادئ العدالة وتهديدا مباشرا للنظام العام الأسري ولحماية الطفولة التي كرسها الدستور وقوانين الجمهورية.

غياب ثقافة ما بعد الطلاق سبب النزاعات الأسرية 

أقر الدكتور المحامي حتحوت زين العابدين، الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي، بارتفاع معدلات النزاعات الأسرية في الجزائر، مشيرا إلى الطلاق أو الخلع الذي لم يعد مجرد مسار قانوني لإنهاء علاقة زوجية، بل أصبح في كثير من الحالات ساحة تستباح فيها كل الوسائل بما فيها العنف واستغلال براءة الأطفال لأغراض انتقامية.

وصنف الدكتور المحامي حتحوت، مرحلة الطلاق ضمن مناطق الخطر في العلاقات الأسرية، إذ تنفجر فيها التوترات المؤجلة ويميل بعض الأزواج إلى ارتكاب أفعال يجرمها القانون مهما كانت دوافعها، مردفا، أن أهم صور العنف المجرم تتمثل في العنف الجسدي والذي تتعامل العدالة معه كجريمة مزدوجة كونها اعتداء على السلامة الجسدية من جهة،وخرق لحرمة الوسط الأسري من جهة و هو أخطر أشكال الاعتداء يقول ويشمل الضرب والجرح والتشويه.

وقال حتحوت، أن كل من أحدث عمدا جرحا أو ضربا بزوجه يترتب عليه، الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا لم ينشأ عن الجرح والضرب أي مرض أو عجز كلي عن العمل يفوق خمسة عشر يوما، مع الحبس من سنتين إلى خمس سنوات إذا نشأ عجز كلي عن العمل لمدة تزيد عن خمسة عشر يوما.

مسترسلا في ذات السياق، أن الحكم يمكن أن يكون بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة إذا نشأ عن الجرح والضرب فقد أو بتر أحد الأعضاء أو الحرمان من استعماله أو فقد البصر أو فقد بصر إحدى العينين أو أية عاهة مستديمة أخرى، ويكون السجن المؤبد إذا أدى الضرب أو الجرح المرتكب عمدا إلى الوفاة دون قصد إحداثها، مذكرا في نفس الوقت أن الجريمة تقوم سواء كان الفاعل يقيم أو لا يقيم في نفس المسكن مع الضحية، وإذا ارتكبت أعمال العنف من قبل الزوج السابق وتبين أن الأفعال ذات صلة بالعلاقة الزوجية السابقة.

"الرجل يفقد هيمنته بعد التطليق"

من جهته ذكر الدكتور مهدي حمزة عبيد، أستاذ علم اجتماع بجامعة باتنة، أن الرجل الذي يطلق بطلب من زوجته يتعرض لمظاهر سلبية من الرفض والتمييز الاجتماعي خاصة إذا حاول أن يتزوج مرة أخرى، وهو ما يؤثر على صورته وتقدير ذاته، مؤكدا في ذات السياق، أن هذا الأمر لايزال يحدث في المجتمعات التي تحكم فيها المعايير التقليدية.

وقال أستاذ علم الاجتماع، أن الرجل الذي يطلق من قبل زوجته، يحمل وصمة اجتماعية باعتباره قد فشل في الحفاظ على زواجه، مؤكدا أن هذا الوصم يمكن أن يؤدي إلى تدهور علاقات الرجل الاجتماعية والنفسية، كون المجتمع يلصق به صفات وعلامات قد تسبب له العزلة أو التهميش وبالتالي فقدان مكانته في المجتمع ودرجة احترامه لذاته.

في هذا السياق، يستشهد الأستاذ عبيد بعالم الاجتماع "آن ييربورديو"، الذي يقول أن الهيمنة الذكورية ليست فقط ممارسات ظاهرة أو سلوكيات مجتمعية بل أساليب متجذرة في العقل الجمعي تجعل المرأة تذعن للرجل حتى أن كان غير سوي، تعزز مكانة الرجل وتخفض من مكانة المرأة، مواصلا في ذات الطرح، أن هذه الهيمنة تصبح فيها الرجولة مسألة إثبات مكانة وقوة في مواجهة الآخرين، والخلع والتطليق بهذه الطريقة نوعا من المقاومة لهذا النظام من قبل المرأة، مما يهدد استمرار الهيمنة ويصبح نوع من الفشل أو التراجع بالنسبة للرجل.

وكشف المتحدث، أن محاولات الطلاق تنتهي أحيانا بجرائم، لأن الرجل يعتبر كرامته أهينت ويغطي ذلك بإرث توارثناه في السابق للهيمنة الذكورية، حيث قال أن اختلال النظام الاجتماعي المبني على هيمنة الرجل تصبح فيه الجريمة ردة فعل حتى ولو انتهت بالسجن.

الطلاق بداية لظهور"الجرح النرجسي"

أما الدكتورة مريم مسعي، أخصائية ومعالجة نفسانية ومؤلفة كتاب "النرجسية في الروابط الأسرية"، فأكدت أن الطلاق لا ينتهي دائما بانفصال هادئ واتفاق قانوني، بل يتطور إلى حالات متصاعدة من الرفض والعنف قد تنتهي أحيانا بجرائم قتل واختطاف الأطفال وكأن قرار المرأة بإنهاء العلاقة الزوجية بات حكما بالإعدام عليها.

وأضافت الأخصائية النفسانية، أنه عندما تقرر المرأة الطلاق يتعرض بعض الرجال لما يشبه بالانهيار الداخلي، وهذا ليس لأن العلاقة انتهت بل لأن طلب الانفصال يهز صورتهم في المجتمع، لتواصل أن الرجل الذي يفتقر إلى توازن داخلي يرى الطلاق طعن مباشر في قيمته، ويشعر بأن سلطته تهاوت وصورته اهتزت أمام نفسه والآخرين، وهو ما يسمى في علم النفس بـ "الجرح النرجسي" القادر توضح على تحويل الرجل من زوج غاضب إلى شخص مستعد لفعل أي شيء لاستعادة الشعور بالسيطرة.

وأوضحت الأستاذة، أن هذا الجرح قد يصبح أكثر خطورة حين يرتبط بثقافة ترسخت لسنوات وهي أن المرأة ملك للرجل، حيث لا ينظر إليها كشخص كامل له إرادة بل كجزء من ممتلكاته التي يحق له التحكم فيها، موضحة أنه حين تعلن الزوجة رغبتها في المغادرة يشعر الرجل أنه فقد شيئا يملكه لا إنسانا اختار الرحيل.

ومن هنا يكون العنف ليس كرد فعل انفعالي فقط بل بوصفه محاولة صريحة لاسترجاع ملكية سلبت منه، وهو ذات الإحساس بالنسبة للمرأة التي لا تكون لديها القدرة أحيانا على ارتكاب جريمة خوفا من نظرة المجتمع ومن العقاب.

وتابعت في ذات الفكرة، أن الخيال الشعبي يجعل الرجل يخشى من جملة واحدة أكثر من كل شيء "طلقته أو خلعته زوجته"، حيث لا يرى في الانفصال نهاية لمرحلة بل يرى فيه إهانة لرجولته وهنا يبدأ ضغط العائلة والحي والزملاء فيصبح رفض الطلاق فعلا دفاعيا ضد العار وليس رغبة حقيقية في استمرار هذا الزواج.

ولمعالجة هذه الظاهرة، اقترحت الدكتورة مسعي تعزيز التربية العاطفية من خلال ترسيخ مفهوم الاختيار في العلاقات الزوجية وإنهائها لا يعني الهزيمة بل أحيانا خطوة صحية للطرفين، إضافة إلى إشراك المختصين في حالة توتر العلاقة بين الزوجين يساعدهما على التعبير، وفهم دوافع التمسك وتحليل مشاعر الرفض أو الغيرة أو الخوف من الفقد قبل تراكمها وتحولها إلى سلوك مؤذ.