مجتمع

عقوبات قد تصل إلى المؤبد.. تشديد الخناق على لصوص النحاس

الظاهرة تواصل تكبيد الخزينة العمومية خسائر فادحة.

  • 2332
  • 6:00 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

 تتصاعد، في السنوات الأخيرة، ظاهرة سرقة الكوابل النحاسية في الجزائر، التي لا تؤدي فقط إلى انقطاع الخدمات وتعطيل حياة المواطنين، بل تسبب أيضا خسائر مالية جسيمة لميزانية الدولة وتكبد مؤسسات عامة وخاصة تكاليف إصلاح واستبدال باهظة.

 وتستهدف مجموعات السرقة الكثير من الأحياء عبر مختلف الولايات، خاصة في ساعات الليل ما يجعل عملية الكشف والتدخل أصعب بعد السرقة، حيث يكون الشباب والمراهقون أبطالها، وهي الظاهرة الخطيرة التي حرمت الكثير من الأحياء من بعض الخدمات لأسابيع عدة، قبل تجديدها من قبل المصالح المعنية، حيث تواجه الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية تحديا في الكشف عن مرتكبي هذه السرقات ومكافحة شبكات التسويق والبيع.

 وقد برزت عدة إجراءات ميدانية وقانونية للحد من الظاهرة، منها تعزيز الدوريات الليلية إلى جانب تركيب كاميرات مراقبة مع تكثيف العمليات الأمنية والتصدي لمحاولات السرقة من جهة، وتشديد العقوبات على مرتكبي عمليات السرقة وتجارة المواد المسروقة من قبل العدالة من جهة أخرى أمام تشجع المواطنين على الإبلاغ عن محاولات السرقة أو أنشطة مشتبه فيها، كون الضرر لا يقتصر على الميزانية العامة للدولة فقط، فالانقطاعات المتكررة تؤثر على القطاع الاقتصادي وتزيد من كلفة الخدمات للمواطنين.

 الأمن الوطني بقسنطينة يعالج 69 قضية

سجلت مصالح الأمن الوطني لولاية قسنطينة وحدها، خلال السنة الجارية، عددا من القضايا المتعلقة بسرقة الكوابل النحاسية، حيث كشفت إحصائيات قدمها مكتب الاتصال لمديرية أمن قسنطينة تسجيل منذ بداية السنة معالجة 69 قضية مرتبطة بسرقة الكوابل، أسفرت عن توقيف 84 شخصا متورطين في نشاط هذه المجموعات الإجرامية.

 وقد كثفت قوات الشرطة عملياتها الميدانية الرقابية عبر مختلف أحياء المدينة والمناطق التي يستغلها محترفو هذا النشاط لاقتلاع الأسلاك النحاسية وبيعها بطرق غير شرعية، كما عملت الفرق المختصة وعن طريق كاميرات المراقبة من تتبع الأشخاص الذين يقفون وراء هذه السرقات وتوقيفهم وتقديمهم إلى العدالة.

 وتؤكد مصالح الأمن أن جزءا مهما من هذه النتائج يعود للتعاون الكبير للمواطنين، عن طريق البلاغات الفورية عبر الخط الأخضر التابع لمصالح قسنطينة وفي الإيقاع بعدد معتبر من المتورطين في حالة تلبس، كما تم التحسيس بخطورة هذا الفعل، حيث تندرج هذه الجهود ضمن استراتيجية الأمن الوطني الرامية إلى مكافحة مختلف أشكال الجريمة التي تمس الاقتصاد الوطني، كما تسعى مصالح الأمن إلى مواصلة متابعة كل المتورطين وعرضهم على الجهات القضائية، إلى جانب تعزيز التنسيق مع مختلف الفاعلين من أجل القضاء على هذه الظاهرة.

 "عقوبة سرقة الكوابل النحاسية تصل إلى السجن المؤبد"

 أكد الأستاذ الجامعي حتحوت زين العابدين، محام وناشط حقوقي، في حديث مع "الخبر"، أن سرقة كوابل الكهرباء والهاتف في الجزائر، تعد جريمة متفاقمة تمس بالأمن الاقتصادي والخدمات الحيوية، وقد شدد المشرّع الجزائري العقوبات القانونية عليها لتصل في بعض الحالات إلى السجن المؤبد، نظرا لما تسببه من أضرار جسيمة للمواطنين والدولة على حد سواء.

 وكشف المتحدث أن استراتيجيات مكافحة الظاهرة، تبقى رهينة للتوعية المجتمعية والتشديد الأمني والرقابة على الأسواق التي تباع فيها المسروقات بأثمان بخسة، ويتم تهريبها أو إعادة بيعها بطريقة غير قانونية، حيث تباع الكوابل المسروقة عادة في الأسواق السوداء، خاصة منها الكوابل النحاسية بأثمان رخيصة مقارنة بقيمتها الحقيقية، ويعيد الجناة تدويرها أو تصديرها للاستفادة من مادة النحاس التي تحظى بطلب عالمي، ما يغري العصابات بتكرار الفعل رغم المخاطر، وهو الأمر الذي يحرم آلاف المواطنين من استمرارية خدمات الكهرباء والاتصالات لفترات طويلة، ويتسبب بخسائر ضخمة للمؤسسات المعنية فضلا عن تعطيل حياتهم وتعطيل المرافق العامة الحيوية.

 وقال حتحوت إن تصنيف سرقة كوابل الكهرباء والهاتف، يدخل ضمن جرائم الاعتداء على الممتلكات العامة ذات الطابع الحيوي، وعلى ضوء تعديلات 2025 ووفق التعديلات الأخيرة لقانون العقوبات، فقد تصل العقوبة إلى السجن المؤبد إذا ارتكبت أثناء حريق أو بعد انفجار أو انهيار أو زلزال أو فيضان أو غرق أو تمرد أو فتنة أو أي اضطراب آخر، أو إذا وقعت على أحد الأشياء المعدة لتأمين سلامة أية وسيلة من وسائل النقل العمومي أو الخصوصي، خاصة يضيف، وأن هذه السرقات أضحت تنفذ من قبل عصابات منظمة أو أفراد شكلوا جماعات إجرامية أو عصابات أحياء.

 وواصل المحامي أنه وطبقا للمادة 350 من قانون العقوبات في صيغتها المعدلة منذ سنة 2024، تجرم سرقة الكوابل ويعاقب السارق بالحبس من سنتين الى 10 سنوات، إذا كان محل السرقة عتاد أو أملاك أو منقولات مملوكة للدولة أو الجماعات المحلية أو الهيئات العمومية، أو إذا كان محل السرقة أعمدة أو كوابل أو أسلاك كهربائية.

 كما تطبق نفس العقوبة على كل من يشتري أو يبيع أو ينقل أو يصنع أو يستعمل بأي شكل المسروقات، بل أكثر من ذلك يعاقب على المحاولة أو الشروع في هذه الجريمة بنفس عقوبة الجريمة الأصلية حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود، بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها، ويترافق ذلك مع طلب التعويض للجهات المتضررة وغرامات مالية لصالح الخزينة العمومية.

 أما إذا ارتكبت السرقة، يسترسل المتحدث، مع استعمال العنف أو التهديد به، أو تمت ليلا أو بواسطة شخصين أو أكثر أو بواسطة التسلق أو الكسر من الخارج أو من الداخل أو عن طريق مداخل تحت الأرض، أو باستعمال مفاتيح مصطنعة أو بكسر الأختام أو في المنازل أو المساكن أو الغرف أو الدور، سواء كانت مسكونة أو مستعملة للسكنى أو في توابعها، أو استحضر مرتكبوها مركبة ذات محرك بغرض تسهيل فعلهم أو تيسير هروبهم أو كان الفاعل خادما أو مستخدما بأجر، حتى ولو وقعت السرقة ضد من لا يستخدمونه لكنها وقعت سواء في منزل أو في المنزل الذي كان يصحبه فيه، فتشدد العقوبة نحو السجن المؤقت من عشر 10 سنوات إلى عشرين 20 سنة وبغرامة من 1.000.000 دج إلى 2.000.000 دج، مادام توافر ظرفان على الأقل من الظروف الآنفة طبقا للمادة 353 من قانون العقوبات.

 وذكر الأستاذ حتحوت أن الحكومة الجزائرية اعتمدت جملة من التدابير لمكافحة الظاهرة، بدءا بتشديد عقوبات السجن والغرامات المالية، وتكثيف الدوريات الأمنية خاصة في المناطق النائية مع فتح خطوط الهاتف المجانية للتبليغ الفوري عن أي حالة مشبوهة على غرار الرقم 3303 لتبليغ شركة سونلغاز والرقم 1055 لتبليغ الدرك، والرقم 1548 لتبليغ الشرطة، فضلا عن تشجيع السكان على التحلي بالحس المدني والمشاركة الفعالة في حماية الممتلكات العامة.

 وذكر حتحوت في الأخير، أن سرقة كوابل الكهرباء والهاتف ليست مجرد اعتداء على ممتلكات عمومية بل وجع يمس المجتمع كله، قائلا: "إنها لحظة يطفأ فيها نور بيت وينقطع صوت أم أو أب بسبب يد لم تراع حركة المال العام".. وإلى ذلك يوضح، أن ديننا الحنيف اعتبر السرقة من الكبائر، حيث يشدد على حرمة الاستيلاء على المال العام بأي وجهٍ كان.

 إعادة التركيب لعمارة واحدة يصل إلى مليون دينار

وكشف الأستاذ سمير بن ساعد، خبير اقتصادي، في تصريح لـ"الخبر"، أن ظاهرة سرقة الكوابل النحاسية، تدخل حقيقة في خانة الجرائم كاملة الأركان والتي يجب على المشرّع الجزائري التصدي لها، خاصة وأن هذه الظاهرة نتائجها سلبية جدا على خزينة الدولة، كما أنها تتسبب في عرقلة الحياة العملية للمواطن في شقها المرتبط بالمعلوماتية والعمليات الرقمية.

 وأضاف بن ساعد أن سرقة الكوابل الكهربائية في البنايات، سواء كانت موجهة للاستعمال السكني أو الإداري، ليست خسارة فقط لقيمتها فحسب، لكن تضاف إليها قيمة إعادة التركيب والتي قد تصل الى مليون دج لعمارة واحدة مكونة من 10 وحدات سكنية مثلا، زيادة عن التأخر في الإنجاز وتعريض بناية لأشغال خارج المخططات، وبذلك استعمال مبالغ مالية أخرى خارج أغلفة البرنامج المخصصة.

 وواصل المتحدث، أن نفس الظاهرة أيضا تمس الكوابل النحاسية الخاصة بالأنترنت وشركة اتصالات الجزائر، هذه الأخيرة التي تتكبد خسائر فادحة، بداية من تعويض الاشتراك للزبائن في كثير من الأحيان رغم أنها غير مسؤولة مباشرة عن عمليات السرقة إلى جانب التزامها بالأثر المالي تجاه المورد الخاص.

 وقال بن ساعد إنه يجب على الدولة وضع قائمة الناشطين في مجال الرسكلة تحت الرقابة المستمرة عن طريق فرق مختلطة مكونة من مصالح الأمن، مديرية الصناعة والتجارة، وهذا لمعرفة المصادر وكل المعادن المسخرة لإعادة التصنيع، مع إطلاق حملات أخرى يجب أن تؤخذ بمحمل الجد في المساجد، خاصة وأن المسروق هو مال عام واجب على كل واحد الحفاظ عليه، سواء بالتبليغ أو الانتهاء عن الفعل.