+ -

اسمحوا لي... لا أستطيع أن أتعامل مع قضية الراحل تامالت دون عواطف.. فالراحل أكثر من زميل في مهنة المتاعب، فهو بالنسبة لي بمثابة ابني... ويعاملني دائما كأنني والده. المرحوم كان شديد العلاقة بأمه العجوز لأنه تربى يتيما في حي الحراش.. تعرفت على تامالت قبل 20 سنة تقريبا عندما كان طالبا في جامعة الجزائر، وكان ذلك بمناسبة نشاط ثقافي داخل الجامعة. وبعد ذلك بسنوات، وجدته يتصل بي ليطلب مني مساعدته في الحصول على منحة دراسية في الخارج... وقال لي إنه كلم بشأنها المرحوم العربي بلخير ووعده بذلك، ولكنه لم ينفذ وعده، وطلب مني أن أساعده في الاتصال به ثانية... واتصلت بالفعل بالمرحوم العربي بلخير بشأن الأمر فنفذ وعده مشكورا.وأخذ تامالت منحة إلى بريطانيا من 3 سنوات... وتشاء الصدف أن يكون تسجيل تامالت في نفس قسم اللغة الإنجليزية بجامعة لندن وسط مع ابني... وكانت أمه تتابع أخباره أيضا عن طريقي أنا، لأنني كنت أتردد على زيارتهما في لندن، وكثيرا ما كانت ترسل له بعض المأكولات القبائلية معي حين أزوره.عندما أنهى دراسة الماجستير، أراد أن يسجل في الدكتوراه، فطلب مني أن أساعده ثانية في الاتصال بالعربي بلخير لتمديد منحته، ولكنني لم أفعل، ويا ليتني فعلت. فربما كان تاريخ حياته قد كان غير هذا الذي حدث له. فاضطر المرحوم إلى طلب اللجوء السياسي في بريطانيا، ليتمكن من الحصول على أوراق الإقامة، لأن حالة الإقامة الطلابية انتهت. فاشتغل رحمه الله في كل المهن إلى جانب ممارسته الصحافة بالقطعة مع عدة عناوين في بريطانيا والجزائر وفي الوطن العربي كمراسل، حتى حصل على الإقامة والجنسية البريطانية.ويبقى السؤال المحير هو: لماذا شخص مثل تامالت تعطيه الدولة منحة دراسية يحلم بها الشباب مثله... ثم ينفجر فيها هكذا؟! والجواب واضح: شخص مثل تامالت يتقن ثلاث لغات كتابة ونطقا، ويحمل ماجستير من أعرق جامعات بريطانيا، ويعود إلى بلده فلا يستطيع أن يحصل على منصب عمل في مؤسسة إعلامية.. ويجد أمثال هؤلاء الذين تعج بهم الساحة الإعلامية الرديئة هم من يقف في طريقه في الحياة! فلابد أن ينفجر، وانفجر بطريقته الخاصة.آخر مرة التقيته كان في لندن، وكان ذلك في شهر فيفري سنة 2016، عندما سمع أن مجموعة من الصحافيين المقيمين بلندن أقاموا حفل عشاء على شرفي فحضر اللقاء، وسحبني على هامش الحفل وطلب مني رقم هاتف ابني في الجزائر ليتصل به، ففعلت.. اتصل به وقال له مازحا: سآخذ والدك إلى حيث كنا نذهب أنا وأنت! ثم طلب مني لقاء خاصا على انفراد ليستشيرني في أمر هام.. فقلت تعال إلى الفندق الذي أقيم فيه.. وجاءني على العاشرة ليلا. وقال لي: إن جهات اتصلت به وأعطته ضمانات كي يدخل إلى الجزائر ويكف عن الكتابة ضدهم... فقلت له: إن من بإمكانه إعطاءك الضمانات الموثوق بها هو الرئيس بوتفليقة، أما غيره فقد يخدعك. وقال لي إنه مضطر للدخول إلى الجزائر مهما كانت النتائج، لأن والدته فقدت بصرها من شدة البكاء عليه لأنه لا يحضر إلى الجزائر. وقال لي إن الوزير الأول سلال رفع ضده دعوى قضائية، ولكن العدالة البريطانية أخلت سبيله لعدم كفاية الأدلة، وإن ضابط أمن جزائريا في بريطانيا فتح معه خطا لتقديم الضمانات للدخول، مقابل الكف عن الكتابة... وإن الوسيط بينهما التقى فعلا بتامالت وأبلغه ذلك، ولكنه رفض الكف عن الكتابة وملاحقة الفساد. وعندما يئس الوسيط من إقناعه قال له: سنلتقي مرة أخرى.. فقال له تامالت: إذا كان موضوع اللقاء هو هذا فالأفضل ألا نلتقي...! وقد تحققت من هذه المعلومة من الوسيط نفسه.عندما عاد إلى أرض الوطن لم يتم اعتقاله في المطار لأنه لم يكن متابعا قضائيا، ولأن مدير الأمن عبد الغني هامل رفض اعتقاله خارج إطار القانون، وبقي في بيت والدته مدة أسبوع، وهذا معناه أن الرئيس بوتفليقة لا علاقة له باعتقاله... لأنه غير منطقي أن يكون أمر الاعتقال صادرا عن الرئيس ويرفض مدير الأمن تنفيذه. لهذا يجب أن يسلط الضوء على الجهة التي اعتقلته باسم الرئيس والجهة التي تفاوضت معه بشأن دخوله إلى الجزائر، ثم غدرت به..! لقد أحسست بأنني فقدت أحد أبنائي ولم أفقد زميلا فقط. فاعذروني إذا استخدمت العاطفة عوض المهنة في معالجة هذه القضية الشائكة.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات