محاولة الاحتلال الإسرائيلي اغتيال قيادات حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالعاصمة القطرية الدوحة ليست بالسلوك الجديد بالنسبة للكيان، فتاريخه حافل بالاغتيالات التي طالت عدة شخصيات فلسطينية أو مرتبطة بالنضال الفلسطيني. هذه الأساليب في إزاحة قيادات المقاومة تشترك فيها كل القوى الاستعمارية التي يترسخ في عقيدتها "إرهاب الدولة".
وقد فشل الاحتلال في اغتيال قيادات من الصف الأول، على غرار خليل الحية الذي استشهد نجله في الهجوم خلال اجتماع بعلم من الوسطاء، قطر ومصر والولايات المتحدة، لمناقشة المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، اجتماع استغله الكيان لتصفية قيادات سياسية على أرض دولة ترعى الوساطة، من أجل ضرب الذراع السياسي للمقاومة وبالتالي إضعافها في المفاوضات.
هذا الفشل يكشف عن فشل أكبر على الأرض للاحتلال في غزة، فبعد سنتين من الإبادة والتدمير لم تستطع دولة الاحتلال المدعومة عسكريا من الولايات المتحدة ودول غربية وعربية تفكيك المقاومة واسترجاع الأسرى، بل أكثر من ذلك تتلقى خسائر بالجملة، فما كان أمامهم إلا أن يستغلوا "الأمان" الذي توفره عملية المفاوضات والضمانات الدولية لتنفيذ مخططهم الدنيء وليؤكدوا للمرة الألف أن لا ميثاق ولا عهد مع الصهاينة.
اعتراف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بفشل العملية صاحبه الإعلان عن أن محاولات اغتيال القيادات الفلسطينية ستتواصل إلى حين تصفيتهم، لتكون بذلك امتدادا لسلسلة اغتيالات نفذها جهاز الموساد "مخابرات الخارجية" الصهيونية في دول أجنبية، مثل ما جرى مع محمد المبحوح الذي اغتالته "إسرائيل" بدبي الإماراتية في جانفي 2010 والمحاولة الفاشلة لاغتيال خالد مشعل في الأردن سنة 1997 وفتحي الشقاقي في مالطا وفادي بطش في ماليزيا وعاطف بسيسو في باريس سنة 1992، وقبلهم الجزائري محمد بودية في باريس سنة 1973 والقائمة طويلة.
هذه الاغتيالات تعيدنا إلى ممارسات كانت حاضرة في سلوك فرنسا الاستعمارية بالجزائر، بحكم أن الفكر والعقيدة الاستعمارية تنبع من مشكاة واحدة. ففرنسا في آخر أنفاسها بالجزائر بعد أن أربكتها الثورة وأسقطت الجمهورية الرابعة، كثفت من عمليات الاغتيالات لشخصيات جزائرية وأجنبية ساندت الثورة بهدف خنق الثورة، وتكفلت بعمليات الاغتيالات منظمة "اليد الحمراء" الإرهابية التي كانت تتبع مباشرة الدوائر الأمنية كجهاز المخابرات الفرنسي ومؤسسة الرئاسة، وبعِلم الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول بهذه الأنشطة، حيث نفذت حوالي 200 عملية اغتيال وأغرقت 6 بواخر.
ففي سجل إرهاب الدولة الفرنسية خلال احتلال الجزائر، عبر ذراعها "اليد الحمراء"، تم اغتيال العديد من زعماء الثورة الجزائرية في الخارج وأصدقاء الثورة من رجال أعمال ومحامين وصحفيين في دول أوروبية، كألمانيا وإيطاليا والنمسا وسويسرا، على غرار المحامي الجزائري أمقران ولد عودية أمام مكتبه بباريس، كما تلقى المحامي جاك فرج يس تهديدا بالقتل والأستاذ الجامعي البلجيكي جُورج لابيرش، وفي مدينة هامبورغ بألمانيا استهدفت الألماني أوتو شلوتر، الذي تعرض لـ3 محاولات اغتيال وقتلت والدته، كما اغتالت الألماني جورج بوخرت في فرانكفورت. واستهدفت "اليد الحمراء" فيلهلم بينسر، وهو تاجر سلاح، وفي مدينة بون استهدفت المحامي الجزائري أمزيان آيت أحسن، كما نجا الرئيس المدير العام لشركة "إيني" الإيطالي أنريكو ماتيي رفقة الطيب بولحروف من محاولة اغتيال بالعاصمة روما.
هذه أسماء ووقائع شاهدة على عمليات اغتيال وعلى أساليب دول مارقة خارجة عن القانون، وهي أقرب إلى سلوك جماعات إرهابية. فضحايا عمليات الاغتيال الفرنسية وطريقة الاستهداف لا تختلف عن ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلية في فلسطين وفي خارج فلسطين اليوم، ونفس الأساليب تتبناها دولة الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية المحتلة مع الناشطين الصحراويين وحتى المدنيين، وما قامت به من قتل للمدنيين بالأراضي الصحراوية المحررة إلا أكبر شاهد على ذلك.
إن عمليات الاغتيال التي تنفذها اليوم دولة الاحتلال الإسرائيلي ما هي إلا مؤشر على الشعور بالفشل والارتباك ومؤشر جدي على أن الاحتلال الصهيوني في فلسطين وصل إلى مرحلة العجز واصطدم بجدار الحقيقة التي انكشفت للعالم وتهشمت سرديته ولم تعد تنطلي على أحد، ونشاهد كيف انقلبت الشعوب وحكومات كانت بالأمس تدافع وتسند الرواية الصهيونية، وعليه فإن الإمعان في سياسة الاغتيالات والإبادة هو في الحقيقة اغتيال وإبادة الاحتلال لنفسه بنفسه، والرفع من وتيرة الاغتيالات دليل آخر على أن الاحتلال يعد أنفاسه الأخيرة في فلسطين، كما عدها الاحتلال الفرنسي في الجزائر ويعدها غدا الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال