ثقافة

أحمد بن بلة.. مُلهم حركات التحرر

تلمسان احتضنت الملتقى الوطني "الجزائر في ظل التحديات العالمية، تجليات الثورة التحريرية".

  • 150
  • 3:41 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

أجمع باحثون ومختصون على أن الرئيس الراحل أحمد بن بلة كان مهندسا رئيسيا لتسليح ثورة التحرير، حيث نسج شبكة دولية معقدة لجلب السلاح من القاهرة وأوروبا، وهو ما مثل نقلة نوعية بعد تسعة أشهر فقط من اندلاع الثورة. هذا الاستنتاج التاريخي كان محور الملتقى الوطني الذي احتضنته تلمسان تحت شعار "الجزائر في ظل التحديات العالمية، تجليات الثورة التحريرية"، حيث سلط المشاركون الضوء على إيمان بن بلة الراسخ بحتمية الكفاح المسلح، ودوره التأسيسي في حركات التحرر الإفريقية والعالمية.

احتضنت قاعة المحاضرات للمتحف الجهوي بهضبة لالة ستي، بأعالي بلدية تلمسان، الملتقى الوطني حول "شخصية القائد الرمز المجاهد أحمد بن بلة رهانات وحقائق"، أشرف عليه وزير المجاهدين وذوي الحقوق عبد المالك تاشريفت ووالي تلمسان يوسف بشلاوي، وأساتذة قدموا من جامعات جزائرية.

أشاد والي تلمسان بخصال الراحل وعدّه من الرعيل الأول للثورة التحريرية، ومن الرجال الذين عرفوا كيف يخططون لاندلاع ثورة كانت شاملة، حيث قال "إن اختيار هذا الملتقى حول المجاهد الراحل أحمد بن بلة يعكس الوعي لأهمية القراءة الموضوعية لأحد قادة الثورة الذي ترك بصماته واضحة في تاريخ النضال وفي تاريخ الجزائر المستقلة، فهو أحد القادة المؤسسين لجبهة التحرير الوطني الذين كانوا وراء القرار التاريخي لاندلاع ثورة أول نوفمبر، وساهم بعد الاستقلال في دعم حركات التحرير في إفريقيا، بعد أن آمن بأن استقلال الجزائر مرتبط بتقرير مصير الشعوب الإفريقية، لذا كان من بين مؤسسي حركة عدم الانحياز لأنه كان مناصرا للعدل والسلام".

وأضاف " إن الجزائر اليوم وهي تواجه تحديات متسارعة في العالم، سياسية، اقتصادية وجيوسياسية تستلهم مكانتها من ماضيها التاريخي العريق وتجليات ثورتها المجيدة".

كما أشار مدير المجاهدين وذوي الحقوق لولاية تلمسان السيد عيسى منصوري إلى أن الملتقى يعقد في إطار صيانة مساعي الدولة الجزائرية الحديثة، ومقاصد سياساتها الوطنية بكل أبعادها في إطار وحدة وطنية قوية تعمل على تكريس الجهود للبناء الوطني الذي يحقق الازدهار في جميع المجالات. "إن تجليات بيان نوفمبر1954، وأسس مضامين خطابه الموجه للأمة الجزائرية رسم طريق التحرير، ورجاله العظماء كانوا في الموعد، احتضنهم الشعب في إطار وحدة وطنية كسرت جدار الطغيان الاستدماري، وأفلست سياسة الهيمنة والطغيان وتم بذلك افتكاك الاستقلال الوطني".

بن بلة شعر بمؤامرة بعد قرصنة الطائرة

من جهته تحدث الدكتور محمد خيشان من جامعة الجزائر، عن دور الرئيس أحمد بن بلة في القاهرة في الفترة ما بين 1953و1954، من أجل جلب السلاح للثورة التي آمن بها واعتبرها الحل الحقيقي لمواجهة الاستعمار. وفي هذا الصدد كشف أن السلطات الفرنسية كشفت عن الكثير من الأرشيف الذي أضحى ممكنا الاطلاع عليه بعدما كان محظورا من قبل في فرنسا، وقال "لقد  كثر الأرشيف حول هذا الرجل كونه كان متابعا من قبل الشرطة الفرنسية منذ 1949، وهي السنة التي تبوأ فيها منصب قيادة المنظمة الخاصة خلفا لأيت أحمد، ثم لأنه كان ينسق مع المغاربة لتجسيد ما يسمى مشروع الكفاح المسلح في المغرب العربي الذي لم يكتب له النجاح، كما أشار الأرشيف أيضا إلى معركة كبيرة من معارك الجزائر، وهي معركة التسليح، حيث كان يسعى إلى جلبه من الخارج بطرقه الخاصة وعلاقاته مع البعض، وبالتالي كان لهذا الرجل الفضل الكبير في إدخال الأسلحة بعد تسعة أشهر من اندلاع الثورة التحريرية المباركة".

وواصل يقول "هناك علبة مفتوحة للباحثين في السنوات الأخيرة تحتوي على مئات الوثائق حول الراحل أحمد بن بلة، من بينها تقارير السفير الفرنسي والمخابرات الفرنسية في القاهرة من 1953 إلى 1954، وفيما يخص المعلومات المستقاة حول قرصنة الطائرة، ذكر في شهادته لما كان في القاهرة أنه قال "إني أشم رائحة المؤامرة من أن الطائرة ستتم قرصنتها وسيحدث له مكروها". وأكد بشأن مشروع بن بلة التحريري أنه قصد تونس 1950 وطرح على الرئيس التونسي مشروع تحرير المغرب العربي تحت إمارة الثورة المسلحة المغاربية، وهو الذي تأسس من أجله حزب الشعب الجزائري، ثم انتقل إلى المغرب لنفس المهمة ونفس الهدف واقترحه على عبد الكريم الخطابي الذي عبر له عدم استعداد المغاربة لهذا المشروع واختار حلا آخر. وكانت علاقاته متينة مع عبد الكريم الخطابي وجمال عبد الناصر الذي أقنعه بن بلة من أنه يحمل هم مشروع اندلاع الثورة في الجزائر، وكان يريد إشعال منطقة المغرب العربي بثورة كبيرة، لكن للأسف أن التوانسة اختاروا أسلوب المقاومات".

بن بلة ونصرة حركات التحرّر

من جهته أوضح الأستاذ الجامعي، الدكتور نور الدين بلهادي، من جامعة الوادي أن ذهاب بن بلة للقاهرة لم يكن من تلقاء نفسه أو عشوائيا، بل كان حسب شهادة أحد الضباط الذي قال "إن ذهاب أحمد بن بلة إلى القاهرة كان بأمر من المنظمة الخاصة". وأن الراحل بن بلة كان يؤمن إيمانا شديدا بضرورة حمل السلاح ضد الاستعمار، وهنا يقول الأستاذ بلهادي" إن أحمد بن بلة هو الذي نسج قواعد التسليح في الجزائر لما جلب السلاح من القاهرة ومن أوروبا من تشيكوسلافيا وألمانيا، وكان يملك عبقرية كبيرة وكانت لديه علاقات سمحت له بجلب هذا السلاح لما كان ينسق بين قادة الداخل".