مثلما يستمر طوفان الأقصى، في ذكراه الثانية، التي تعود اليوم، في كشف الحقائق السياسية والأمنية للعديد من دول الغرب والعرب، متخاذلة وناصرة، يواصل أيضا "فضح" فلاسفة تخلوا عن القيم الانسانية، وانساقوا للسردية الصهيونية، مزعزعا مسلمات، سوّقها الغرب على أنها "براديغمات" غير قابلة للنقد أو لإعادة النظر.
ويتبنى الكاتب والمثقف المختص في الشأن الفكري، أحمد دلباني، فكرة "انحياز العديد من الفلاسفة للسردية الصهوينة تحت يافطة ادِّعاء "الدفاع عن القيم الغربية" و"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضدَّ كل أشكال اللاسامية"، مقدما في منشور له على حسابه بـ"فايسبوك" تشخيصا عن "انحرافات" فلاسفة يحتلون في المجتمع المعرفي مكانة كبيرة.
ويرى دلباني أن في "سقوط فلاسفة الميديا - من الفرنسيين تحديداً - اندحاراً لقيم العقل والنزعة الإنسانية وهاجس البحث عن العدالة والحق"، معبرا عن ذهوله لأن "يتحول الفيلسوفُ الغربي – مثل الألماني هابرماس – إلى مدافع عن قايين القاتل أيضا".
واعتبر مؤلف العديد من الكتب الفكرية، أن معظم مثقفي الغرب أسرى الرؤية الأحادية المنحازة للرواية الصهيونية، مرجعا ذلك لاعتبارات تاريخيةٍ وسياقات ثقافية "نتفهَّمُها ولكنها لا تُعفيهم من المسؤولية الأخلاقية في الاعتراف بالإجرام الصهيوني وعدم الخضوع للتمويه أو الابتزاز بهذا الشأن".
واستثنى الكاتب "الفيلسوف الفرنسي الكبير جيل دولوز والمفكر الكبير إدغار موران، تمثيلا لا حصراً" ، مشيدا بـ"مواقفهما الشجاعة وعدم تورُّطهما في حبائل هذه السردية الاستعمارية المفضوحة التي تُذكِّرُ بمأساة إبادة "الهنود الحُمر" في طبعةٍ جديدة".
وبالنسبة لدلباني، فإن هذه الحرب العدوانية أظهرت كيف تم استدراج طائفة من المثقفين الذين إلى رحاب اليمين العنصريِّ المُدافع عن صفاء الهوية الغربية وتفوقها الحضاري، مشبها ذلك بالسقوط المدوي لهيبة وحضور المثقف. وأشار صاحب كتاب "خطيئة الدفاع عن قايين" إلى "سقوط المثقفين المُروِّع أمام الاختبار الذي وضعتهم فيه حربُ الإبادة والتطهير العرقي في غزة، في لحظة كانت تتطلبُ موقفا إنسانيا عادلا ينحاز لأصحاب الحق في الأرض"، يعود أيضا إلى "سياق مُعقَّد جعل المثقف يعتصمُ بقشة الهوية في محيط اللحظة التاريخية الضبابية".
ولاحظ دلباني أنَّ الهوية لدى هذه الفئة من "فلاسفة البؤس"، كما وصفهم، يُمكن أن تمثل، اليوم، "عودة الصعلوك الضال إلى حضن القبيلة"، معتبرا أن أحداث هذه الحرب الأخيرة "جعلت الكثير من هؤلاء يصطفون لتقديم الولاء غير المشروط لانتماءاتهم الثقافية والحضارية على حساب الانتصار للإنسان المضطهَد وحقه في الحياة والحرية والكرامة، وعلى حساب العدالة التي تقتضي زوال الاحتلال وحق الشعب الفلسطينيِّ في تقرير مصيره".
فهذه الحرب، في نظر المثقف، ليست حربا حضارية إسلامية ضدَّ الغرب وإنما هي مقاومة فلسطينية من أجل تحرير الأرض المحتلة. أو"قل هي مشكلة سياسية بالأساس ولا علاقة لها بأوهام "فلاسفة البؤس" الذين يسكنهم رُهابُ الإسلام بصورةٍ مرَضيَّة".
كما أنَّ الصراعَ الدائر اليوم في الأرض المحتلة ليس حربا مبعثها "معاداة السامية" وإنما مقاومة الاحتلال وممارساته، مذكرا بأنَّ حركة المقاومة العربية -الفلسطينية ظهرت بوصفها حركة تحررية من أجل استعادة الأرض والكرامة السليبة ولم تكن أبداً حركة عنصرية ضد اليهود".
ودعا المتحدث الى عدم "الخلط بين المقاومة المشروعة للاحتلال وما يُسمِّيه الغربُ المريضُ بتأنيب الضمير "معاداة السامية"، معتبرا أن مشكلة العرب والفلسطينيين قائمة دوما مع الإيديولوجية الصهيونية الاستعمارية التي رأت النور في الغرب الحديث إبان ظهور الحركات والنزعات القومية المعروفة، ولم تكن مع اليهود بوصفهم عرقا أو جنسا.
وبرّأ دلباني كل المُشتغلين في حقول الفكر والإنسانيات، باستثناء الفلاسفة الذين "لم يتخلصوا، بعدُ، من أغلال السرديات المُكرِّسة لشرعية الاحتلال انطلاقا من دوافع دينية وحضارية".
واستدل المثقف بطروحات الفيلسوف الشهير إمانويل تود في كتابه "هزيمة الغرب"، القائلة "لا أعلم بالضبط أي ثُقبٍ أسود سوف يسقط فيه الغربُ مع انحسار الدين بصفةٍ كلية في الفضاء الاجتماعي وعن مرتكزات الفكر والأخلاق التي كانت تؤطر السلوك الفردي والعام.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال