ثقافة

"ضرورة التوجه إلى الفيلم التجاري لإعادة الجمهور إلى القاعات"

فتحت ندوة النقاش حول وضع الصناعة السينماتوغرافية في الجزائر وعوامل تطويرها والخروج بها إلى آفاق جديدة.

  • 197
  • 4:58 دقيقة
الصورة: ح. م
الصورة: ح. م

تحدث، أول أمس، كاتب السيناريو الطيب توهامي والمخرجة هاجر سباطة، ضيفا ندوة "تيك" نصف الشهرية، التي ينظمها متحف السينما "سينماتيك" بالجزائر العاصمة، تحت إشراف وتنشيط الإعلامي والناقد عمار بورويس، عن كواليس وخلفيات فيلميهما "الساقية" و"الطيارة الصفراء" تواليا وعن العلاقة الجميلة والمهمة بين السينما والتاريخ وكيف تساهم السينما في حفظ الذاكرة، كما فتحت الندوة النقاش حول وضع الصناعة السينماتوغرافية في الجزائر وعوامل تطويرها والخروج بها إلى آفاق جديدة، حيث أكد المتدخلان ضرورة التوجه نحو الفيلم التجاري.

قدمت المخرجة هاجر سباطة في البداية نبذة عن فيلمها "الطيارة الصفراء" الذي أنتج سنة 2024 في إطار ستينية الاستقلال وتحدثت عن الاهتمام والاستقبال الذي حظي به الفيلم ومختلف التتويجات التي تحصل عليها، آخرها تنويه من لجنة التحكيم في مهرجان بإيطاليا، وهو رابع تتويج للفيلم، وقالت "إن الفيلم كلما شارك تحصل على جائزة" وهذا يشكل بالنسبة إليها تحديا للمستقبل. كما تناولت سباطة مسيرتها المهنية التي بدأت منذ 25 سنة في مجال السمعي البصري، حيث عملت مع العديد من المخرجين، على غرار جعفر قاسم والياس سالم وسعيد ولد خليفة وبشير درايس وفاطمة الزهراء زعموم، حيث قالت: "إن 25 سنة من التجربة كانت ضرورية لأنه على المخرج أن يتقن الجوانب الفنية والتقنية السينمائية، لأن السينما لها لغتها الخاصة وعليه أن يتقنها".

وأشارت سباطة إلى أنه رغم "الميزانية المحدودة التي حظي بها الفيلم بدعم من وزارة الثقافة، إلا أنه لولا مجهود الفريق العامل لما تم الفيلم" الذي مازال مشواره طويلا، حيث من المقرر أن يعرض في مهرجانين بكندا وآخر برواندا وأيضا ببوتسوانا.

كما أكدت المخرجة أنها تعتز بفيلمها الذي يتحدث عن الثورة كأول تجربة لها حيث الصورة السينمائية تروج لهوية الوطن، سواء تعلق الأمر بالثورة أو بالثقافة على المستوى الدولي، وأن السينما والصورة أصدق تعبير وأكثر تداولا بين الشعوب والدول، مشددة على أنه "مهم جدا أن نوصل أفلامنا إلى الخارج".

يجب التوجه إلى القصص الإنسانية في السينما الثورية

ترى هاجر سباطة عن علاقة السينما بالثورة أن السينما الجزائرية ولدت من رحم الثورة مع شندرلي وكان الهدف أن تأخذ الثورة بعدها الدولي، حيث توقفت عند مشاركة المرأة في السينما الثورية، من خلال الأفلام الوثائقية كآسيا جبار، بعدها جميلة صحراوي ويمينة شويخ وغيرهن، كما ترى أن الثورة الجزائرية يجب أن تخلد في السينما خاصة المرأة الجزائرية التي ساهمت في تحرير الوطن.

تقول سباطة إنها حاولت من خلال فيلمها أن تغوص في الجانب الاجتماعي والإنساني والمعاناة الفردية والنفسية والتجربة الشخصية لكل واحد عانى من الاستعمار، مؤكدة أن السينما اليوم فعلا تؤرخ للذاكرة وأن الصورة السينمائية هي التي تتعدى حدود الوطن، خاتمة قولها "كفاعلين في السينما حن مطالبون بمسؤولية إنتاج أفلام لها مصداقية وتعبر حدود الوطن"، مضيفة: "نحن مطالبون بتحسين مستوى السرد والسيناريو إذا أردنا أن ينجح الفيلم ويجب الترويج له وجلب الخواص من أجل تمويل السينما"، مشيرة إلى أنه لا توجد ميكانيزيمات لتوزيع الأفلام، حيث إنها في كثير من الأحيان كانت تروج لفيلمها خارج الوطن بأموالها الخاصة، ضاربة المثل بمشاركتها في مهرجان بكندا.

من جانبه أثنى كاتب سيناريو فيلم الساقية الطيب توهامي على تجربة سينماتيك في فتح فضاء لعشاق السينما لإثراء التجربة السينمائية في الجزائر، واعتبر أن نجاح هاجر سباطة هو نجاح المرأة الجزائرية في كفاحها في السينما، وقال إن الشيء الجميل أننا نتحدث اليوم عن سينما جديدة قادرة أن تفتح آفاقا جديدة وتذهب بعيدا، مشيرا إلى أن السينما يجب أن تكون مرتبطة بجمهورها، مضيفا أن الموجة الجديدة للسينما الجزائرية اليوم تقدم مضمونا يمكن للجزائري أن يرى نفسه من خلاله.

وتناول الطيب تجربة فيلم التحريك ثلاثي الأبعاد "الساقية" وقال إنه "كان تحديا كبيرا لأنه تطلب منا التحكم في التقنيات ففكرنا في إنتاج فيلم قصير لكن الموضوع والسيناريو الذي يجرم الاستعمار فرضا نوعية الفيلم، وكل من يشاهده يحس بفظاعة الجريمة في تلك الفترة".

كما تحدث الطيب توهامي عن مراحل إنتاج الفيلم وقال إن التجربة كانت معقدة والميزانية لم تكن كافية والتحدي أن يكون الفيلم بأنامل جزائرية 100 في المائة، من خلال قدرات وخبرات جزائرية، مضيفا أن وزارة المجاهدين أولت اهتماما بالغا بالتاريخ وكيف تلقنه للناشئة ومن هنا جاء اهتمامهم بفكرة الفيلم، وجاءت ذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف ودخلت وزارة المجاهدين بقوة في إنتاج الفيلم الذي تم في 2024.

ويشير الطيب توهامي إلى أنه من خلال الفيلم اكتشف قدرات الجزائريين على التحكم في التقنية والمشاهد ثلاثية الأبعاد، كما تحدث عن مسار الفيلم وكيف تم عرضه في تونس واستقبال الجمهور له والمهرجانات التي شارك فيها، حيث من المفترض أن يشارك في مهرجان الإسكندرية القادم.

التجربة النيجيرية نموذج يجب أن نلتفت إليه

عرّج الطيب توهامي على وضعية السينما في الجزائر، وقال إنه "لا توجد في الجزائر صناعة سينمائية جزائرية فحتى في المناسبات اليوم نتحدث عن بعث السينما وفي المستقبل تكون عندنا صناعة سينمائية جزائرية والشباب أمام تحديات فرض نفسه، فاستطاع تقديم إنتاجات ناجحة، والرهان اليوم هو إعادة الجمهور إلى القاعات".

كما تحدث توهامي عن علاقة الثورة بالسينما والذاكرة أيضا وقال مثلا إن مرجعية فيلم الساقية كانت فيلم "الساقية" لبيار كليمون، فالسردية التاريخية للفيلم متواصلة وأن هذا الفيلم هو الذي جعل العالم يعترف بأن ما يحدث هو ثورة، مضيفا أن الاستمرارية مهمة جدا بين المؤسسين والشباب، مشددا على أن أفلام الثورة عليها أن تأخذ الجانب الإنساني والقصص الإنسانية بعين الاعتبار وأن هذا المضمون الإنساني هو الذي يأخذ بالثورة إلى أبعاد أخرى، فالأجنبي يملك مخيالا عن الثورة وضروري أن نشتغل على أفلام ذات نوعية كبيرة.

ختم كل من هاجر سباطة وكاتب السيناريو الطيب توهامي ندوتهما بالحديث عن التوزيع والتمويل وضرورة أن يدخل الخواص في حلقات الإنتاج السينمائي، موضحين أن على السينما أن تتجه إلى إنتاج الفيلم التجاري بقصص جميلة لإعادة الجمهور إلى القاعة، تقول هاجر سباطة: "نحن مطالبون بالتنوع السينمائي يجب أن نتجه إلى الفيلم التجاري الذي لا نملكه"، وحتى تمول السينما ذاتها من مداخيل التذاكر، متمنيين أن يتم التوجه إلى هذا النوع من الأفلام لجلب الممولين والداعمين والاهتمام بالجانب اللوجيسكي والتقني الذي تعاني الجزائر من نقص فيه، ضاربين المثال بالتجربة السينمائية النيجيرية التي وصفاها بالتجربة الرائدة في السينما والتي تصل مداخيلها إلى 3 ملايير دولار وتحتل المرتبة الثانية من حيث الإنتاج بعد السينما الهندية، متخطية السينما الأمريكية.

وقال توهامي إنه مهم جدا لو ننصت إلى صناع السينما في نيجيريا كيف استطاعوا أن يؤسسوا لصناعة سينمائية حقيقية بإمكانيات بسيطة، خاصة أننا نتشابه في الظروف المحيطة وهي تجربة قريبة منا، مؤكدا على ضرورة التوجه إلى الفيلم التجاري كما سبق وأن تم الحديث عنه وإعطاء الفرصة للشباب ليصنعوا أفلامهم بمختلف الأنواع، وعلى الدولة أن تركز على المناخ السينمائي وتوفير الهياكل والبنى التحتية لذلك.