ثقافة

مونيك هيرفو.. فرنسية اختارت الجزائر وطناً للكرامة والإنسانية

الباحث الجزائري الطيب ولدعروسي بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للهجرة.

  • 1025
  • 1:51 دقيقة
صورة: ح.م
صورة: ح.م

كشف الكاتب والباحث الجزائري المقيم بفرنسا  ولدعروسي الطيب في لقاءٍ إعلامي عبر إذاعة المدية الجهوية، عن جوانب إنسانية وتاريخية خفيّة من سيرة المناضلة الفرنسية مونيك هيرفو، التي اختارت أن تُخلّد اسمها في ذاكرة الجزائر لا كفنانةٍ أو مثقفةٍ فحسب، بل كصوتٍ إنساني ناصر قضية التحرر، وعاش تفاصيلها في الميدان.

يقول ولدعروسي أن مونيك هيرفو كانت امرأةً من طرازٍ خاص، جمعت بين الحسّ الفني والضمير الإنساني، فحوّلت ريشة الفنان إلى أداة نضالٍ وموقف.

ويقول مونيك وُلدت سنة 1929 في منطقة بروتاني شمال فرنسا، ونشأت في أسرة متوسطة الحال، درست الفنون الجميلة في باريس، وتخصصت في فن الزجاج، وكان ينتظرها مستقبل فني واعد، غير أن مسارها اتجه نحو دربٍ آخر… نحو الجزائر وقضية شعبها.

فمنذ منتصف الخمسينيات، بدأت مونيك تهتم بأوضاع العمال الجزائريين المقيمين في فرنسا، الذين كانوا يعيشون في ظروف قاسية، ويتعرضون للتمييز والعنصرية. وفي سنة 1959، قادها ضميرها إلى حي الأكواخ القصديرية "لافولي" في نانتير، حيث قررت أن تعيش بين سكانه، متخلية عن راحتها في باريس، لتسكن في عربة قطار قديمة داخل الحي، وسط عائلاتٍ جزائريةٍ فقيرةٍ هاجرت بحثاً عن لقمة العيش والكرامة.

هناك رأت الوجه الحقيقي للاستعمار: الفقر، التهميش، والمداهمات الليلية.

كانت مونيك يقول الطيب شاهدة على القهر، لكنها لم تكتفِي بالمشاهدة؛ بل انخرطت في المساعدة، فوثّقت، وكتبت، وترجمت، وقدّمت يد العون لشبكات جبهة التحرير الوطني، في وقتٍ كانت فيه فرنسا تضيق الخناق على كل من يتعاطف مع الجزائريين.

و تقول في إحدى شهاداتها: "لم أرَ في حياتي شجاعةً مثل شجاعة نساء لافولي... كنّ يحملن الرسائل، يخفين الجرحى، ويقُدن العصيان بصمتٍ وإيمانٍ نادر".

وفي 17 أكتوبر 1961، حين خرج الجزائريون في باريس للتنديد بسياسات القمع والعنصرية، كانت مونيك بينهم، واعتبرت تلك المظاهرة "أعظم يوم في حياتها". رأت كيف تحوّلت شوارع باريس إلى مسرحٍ للدم، حيث أُلقي بالعشرات في نهر السين، ودوّنت شهادتها التاريخية: "رأيت فرنسا التي أحبها تُغرق أبناء الجزائر في صمتٍ رهيب".

بعد الاستقلال، واصلت مونيك هيرفو نضالها إلى جانب المهاجرين والعمال، وأسست جمعيات للدعم الاجتماعي، وظلت تكتب عن تجربتها في "لافولي" حتى آخر أيامها. كانت تقول: "لقد تعلّمت في الجزائر معنى الكرامة، ومعنى أن تكون إنساناً بحقّ، لا لأنك فرنسي أو جزائري، بل لأنك تقف في صفّ العدل".

رحلت مونيك هيرفو، لكنها تركت وراءها سيرة امرأةٍ من النور، آمنت بالإنسان قبل الوطن، وبالكرامة قبل الهوية، فصارت رمزاً للضمير الحرّ، وجزءاً من الذاكرة الإنسانية المشتركة بين فرنسا والجزائر.