حاورها: رضا شنوف
تتحدث الرئيس التنفيذي لمؤسسة بينالي الدرعية آية البكري في هذا الحوار مع "الخبر" عن الأهداف من وراء إقامة البينالي، الذي تحتضنه مدينة جدة السعودية على مدار أربعة أشهر، حيث قالت أنه يسعى إلى تحقيق هدف رئيسي يتمثل في توفير الأدوات والوسائل اللازمة لإبراز التراث الحضاري الإسلامي الفريد، ويمنح الجمهور فرصةً فريدة للاطلاع على أعمالٍ فنية متنوعة تنتمي إلى ثقافاتٍ مختلفة، تجتمع تحت سقفٍ واحد، مما يسهم في خلق حواراتٍ فنية عميقة وبناء جسورٍ ثقافية متينة ودائمة بين المملكة والعالم في المجال الفني.
لماذا تنظمون بينالي الفنون الإسلامية، وما الهدف من وراء هذه الفكرة؟
نشأت فكرة بينالي الفنون الإسلامية انطلاقًا من التزامنا الراسخ بإنشاء منصة شاملة تُعنى باستضافة الفعاليات الثقافية والفنية، وتحفيز الحوار البنّاء، وإثراء المعرفة بالفنون والثقافة الإسلامية بتنوعها وثرائها. ومنذ انطلاقته الأولى، سعى البينالي إلى تحقيق هدفٍ رئيسي يتمثل في توفير الأدوات والوسائل اللازمة لإبراز التراث الحضاري الإسلامي الفريد، وتوثيقه، والاحتفاء به، مما يعكس الروابط العميقة التي تجمع أرجاء العالم الإسلامي، والتي تشكل جزءًا أصيلًا من هويته. ولا شك أن استحضار هذه الروابط والحفاظ عليها يعد عنصرًا جوهريًا لضمان استمرارية هذا الإرث الحضاري العريق.
يأتي تنظيم البينالي في وقت تشهد فيه المملكة العربية السعودية تحولاتٍ نوعية على الصعيدين الثقافي والاجتماعي، مما يعزز من أهميته كمنصةٍ عالمية تُبرز تجارب المملكة خلال هذه المرحلة التاريخية، وتُشاركها مع جمهورٍ دولي واسع. وهذا بدوره يفتح آفاقًا جديدة للتبادل الثقافي بين المملكة والعالم، ويعكس مكانتها المتصاعدة كمركزٍ ثقافي رائد في المنطقة والعالم.
إن تنظيم بينالي الفنون الإسلامية في جدة، إلى جانب بينالي الدرعية للفن المعاصر في الرياض، يُعد تجسيدًا حيًا لهذه المكانة الريادية، وتأكيدًا على التزامنا بدعم المشهدين الثقافي والفني في المملكة. كما يعكس حرصنا على تنمية المواهب المحلية، وإتاحة الفرص للإبداع، ونشر المعرفة في مجال الفنون والثقافة، مما يساهم في تعزيز الهوية الثقافية للمملكة وترسيخ وجودها على الخريطة الثقافية العالمية.
بينالي الدرعية للفنون الإسلامية في نسخته الثانية شَهِد مشاركة أكبر من حيث المؤسسات والفنانين والقطع المعروضة، حيث أصبح أكبر معرض إسلامي للفنون الإسلامية، والسنة الماضية استقطب أكثر من ستمائة ألف زائر، ماهو السر خلف هذا النجاح في ظرف زمني قياسي؟
هناك عوامل عديدة ساهمت في نجاح البينالي، أولها إصرارنا على إنشاء معرض عالمي يجمع خبراء من خلفيات ثقافية وأكاديمية متنوعة، و ممن لديهم من خبرة طويلة في إنشاء المعارض مع الكثير من المؤسسات الرائدة عالمياً. لقد اتبعنا في اختيار كوادرنا الفنية نهجاً يعكس تنوع الفنون الإسلامية من جهة والرقعة الجغرافية الشاسعة التي تنبع منها من جهة أخرى. تنوع فريقنا الفني هو انعكاس مباشر للتراث الفني والثقافي الغني الذي يمثله بينالي الفنون الإسلامية.
كما أن اختيارنا للموقع يعد أيضاً عاملاً أساسياً، حيث تتمتع صالة الحجاج الغربية تاريخياً برمزية وأهمية كبيرة، كونها نقطة التقاء لملايين الحجاج القادمين سنوياً من جميع أنحاء العالم. وهذا بحد ذاته، يضفي بعداً آخراً على بينالي الفنون الإسلامية.
فيما يتعلق بهذه النسخة تحديدًا، كانت طموحاتنا منذ البداية أكثر اتساعًا وعمقًا، حيث حرصنا على دعم ما حققناه من نجاحٍ استثنائي في النسخة الأولى، والسعي لتقديم المزيد من الشراكات الفعَّالة مع أبرز المؤسسات الفنية العالمية العريقة، إلى جانب مشاركة نخبة من الفنانين المخضرمين والناشئين من داخل المملكة وخارجها. ويأتي حضور هؤلاء الفنانين والمؤسسات في البينالي ليمنح الجمهور فرصةً فريدة للاطلاع على أعمالٍ فنية متنوعة تنتمي إلى ثقافاتٍ مختلفة، تجتمع تحت سقفٍ واحد، مما يسهم في خلق حواراتٍ فنية عميقة وبناء جسورٍ ثقافية متينة ودائمة بين المملكة والعالم في المجال الفني.
هل تتفقون مع الرأي القائل إن هذا البينالي، من خلال أفكاره العميقة ودعوته للتأمل والربط بين الفكر والروح الذي ظهر في جميع أجزاء المعرض، يقدم إجاباتٍ على تساؤلاتٍ وجودية تهم الحضارة الغربية؟ كما أنه يصحح الصورة النمطية الخاطئة عن التاريخ الإسلامي ويدعو إلى حوارٍ هادف بين الثقافات؟
بالتأكيد! يُعد البينالي منصةً فريدةً للبحث والتأمل والتعمق في مختلف جوانب الحضارة الإسلامية بما تشمله من تقاليد وفنون تُعرض في قاعاته المتنوعة. ومما لا شك فيه، فإن تقديم هذه الكنوز التاريخية إلى جانب الأعمال الفنية المعاصرة ضمن رؤية فنية واضحة وهادفة، يساهم بشكل كبير في تصحيح المفاهيم الخاطئة والصور النمطية، ويثري السرديات الثقافية ويفتح آفاقاً جديدة للحوار والتفاهم، كما أنه يُمكّن الزوار من استكشاف الثقافات والحضارات الإسلامية من منظورٍ شاملٍ وعميق، مما يعزز التبادل المعرفي والثقافي بين الشعوب.
إن الرؤية الفنية لهذه النسخة، واختيارنا لعنوان "وما بينهما" عنواناً لها، يصبان في صميم ما ذكرت. فقد أردنا من خلالها دعوة الجمهور لاستكشاف عمق المعاني الإيمانية، والتعرف على طرق التعبير الإبداعي عنها في مختلف دول العالم الإسلامي، منذ فجر الحضارة الإسلامية وحتى يومنا الحاضر.
تجمع هذه النسخة أكثر من 34 مؤسسة عالمية، شاركت بمجموعاتها الخاصة من المقتنيات النادرة، بالإضافة إلى 29 فناناً معاصراً من المملكة وخارجها. فنحن نعتبر امتلاك المؤسسات الغربية لبعضٍ من أبرز الأعمال العلمية والأدبية الإسلامية دليلاً واضحًا على تاريخٍ طويل من التبادل المعرفي والثقافي بين الحضارتين الغربية والإسلامية. ومن خلال عرض مجموعة مختارة من هذه المقتنيات النادرة، نمنح الزوار فرصةً فريدة لاكتشاف مدى عمق التفاعل الثقافي الذي تجاوز الحدود الجغرافية والفكرية التي كان يُظن أنها غير قابلة للتجاوز. وهذا التفاعل، بلا شك، يساهم في تحدي الأفكار المسبقة، ويكشف عن الإرث المشترك للإبداع والابتكار الإنساني الذي يجمع بين الحضارات.
رفعتم السقف عالياً سواء من حيث التنظيم أو من حيث الأهداف المرسومة، دون أن ننسى أن من رفع هذا التحدي معظمهم شباب من لجنة الاستقبال في المطار التي أشرفت على استقبال الوفود وصولاً إلى الصف الأول من إدارة البينالي، وهذا تفصيل يحسب للبينالي وللقيمين عليه، ما تعليقكم؟
إن نجاح بينالي الفنون الإسلامية يُعد شهادة حقيقية على الموهبة الكبيرة والإخلاص الذي يتمتع به أبناء وبنات المملكة العربية السعودية. وأن تكون الغالبية العظمى من العاملين في هذا الحدث من الشباب،وبلا شك فهو يُمثل ميزة استراتيجية ذات أبعادٍ عميقة. فهذا الأمر لا يُثري الحدث بوجهات نظرٍ جديدة ومبتكرة فحسب، بل يعكس أيضًا التزامنا الراسخ بدعم الجيل الشاب وتمكينه، وإشراكه بشكلٍ فعّال في تشكيل مستقبل القطاع الثقافي والفني.
نحن نرى في نجاح الشباب في تنظيم حدث دولي بهذا الحجم، كلٌ في موقعه ووفق تخصصه، دليلاً واضحًا على أن استثمار المملكة العربية السعودية في تنمية المواهب الشابة قد بدأ يؤتي ثماره المرجوة. فهؤلاء الشباب لا يشاركون فقط في قيادة التحول الثقافي الذي تشهده المملكة، بل إنهم يعدون أنفسهم أيضًا لأدوارٍ أكبر وأكثر جوهرية في تشكيل مستقبل هذا القطاع الحيوي.
هل بدأتم التحضير للبينالي القادم؟ وهل هناك أفكار أو مشاريع جديدة تخططون لتنفيذها في النسخة الثالثة، والتي ستقام في الرياض، أليس كذلك؟
مساعينا لا تتوقف. ففي الوقت الذي نركز فيه على منح جمهورنا نسخة استثنائية من بينالي الفنون الإسلامية، نعمل بشكل دؤوب على التخطيط للفعاليات القادمة، وكيفية البناء على نجاحنا وتحقيق المزيد.
نعمل حالياً على تنظيم النسخة الثالثة من بينالي الدرعية للفن المعاصر والذي سيُقام في الدرعية بالرياض العام القادم. وقد أعلنا مؤخراً عن تعيين مديرَين فنيين للنسخة الثالثة، هما: نورا رازيان نائبة المديرة ورئيسة المعارض في مؤسسة "فن جميل" في دبي وجدة، وصبيح أحمد القيّم الفني والمنظّر الثقافي والأكاديمي الذي يشغل حالياً منصب مستشار المشاريع بجمعية إشارة للفنون في دبي. ويأتي اختيار نورا وصبيح تبعاً للخبرات المشتركة التي يحملانها في تطوير المعارض الفنية الطموحة، والدور الذي يقومان به في بناء حوار ثقافي عابر للحدود بين شرق آسيا وغربها، إلى جانب فهمهما العميق للمشهد الفني الإقليمي والدولي. ومن المقرّر أن تنطلق النسخة الثالثة في شهر يناير 2026، بالتزامن مع برنامج ثقافي عام غني يستهدف جميع أطياف المجتمع، بمن في ذلك الأطفال والمراهقون والكبار وكل المهتمين بالفن والراغبين في دخول المجال الفني، وكذلك المهتمين بالتعرف على شتى أنواع الفنون وتطوير مهاراتهم ومعارفهم بها.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال