كشف التقرير الدولي "الغاز من أجل إفريقيا 2025" الذي أعدته "هاوليتي" بالشراكة مع الاتحاد الدولي للغاز، عن المكانة الاستراتيجية التي تحتلها الجزائر كأحد الأقطاب الرئيسية في مشهد الغاز الطبيعي بالقارة، حيث تحتل المرتبة الثانية إفريقيا من حيث الاحتياطيات المؤكدة، مما يؤهلها لتلعب دورا محوريا في المشهد المستقبلي للطاقة بالقارة.
ويبرز التقرير الدور الذي تلعبه الجزائر كشريك موثوق في تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي عبر خطي "ترانس مد" و"ميدغاز"، مع الإشارة إلى التوجهات المستقبلية لدراسة إمكانية تحويل بعض هذه الخطوط لنقل الهيدروجين، في خطوة تنسجم مع التحول العالمي نحو الطاقات النظيفة.
وعلى الصعيد المحلي، يسلط التقرير الضوء على نجاح الجزائر في بناء منظومة غاز متكاملة، حيث تمتلك شبكة نقل وتوزيع واسعة تعد من بين الأكثر تطوراً في إفريقيا، مما مكن من ربط ملايين الأسر والمنشآت الصناعية بالشبكة الوطنية.
ويشير التقرير إلى أن النموذج الجزائري في توظيف الغاز في الصناعات الثقيلة مثل البتروكيماويات والأسمدة والإسمنت يعد نموذجاً يمكن للدول الأخرى الاحتذاء به لتعظيم القيمة المضافة محلياً وتحقيق التنمية الصناعية، خاصة في ظل تركيز الاستهلاك الإفريقي للغاز في قطاع الكهرباء بنسبة تقارب 50%، مما يستدعي تنويع الاستخدامات لتحقيق أقصى استفادة من هذه الثروة.
الحاجة إلى تنويع استخدام الغاز الطبيعي عبر إفريقيا
وأكد التقرير أنه "لتحقيق القيمة الكاملة للغاز الطبيعي، يجب على إفريقيا تعزيز نهج أكثر تنوعًا لاستخدامه، يمتد إلى ما وراء تركيزه الحالي على توليد الكهرباء. بينما يُعد الغاز الطبيعي في وضع جيد لمعالجة تحديات الوصول العاجل إلى الطاقة – لا سيما في مجال الكهرباء والطهي النظيف – إلا أن إمكاناته الأوسع كممكن للتنمية الصناعية والمرونة الاقتصادية لا تزال غير مستغلة بالكامل".
وأوضح التقرير أنه "على عكس المناطق العالمية الأخرى، فإن الطلب على الغاز الطبيعي في إفريقيا منحاز بشكل كبير نحو قطاع الطاقة، الذي غالبًا ما يواجه قيودًا مالية وتشغيلية. إن توسيع استخدام الغاز الطبيعي عبر الصناعة، والنقل، والقطاعات التجارية مثل التعدين، لن يطلق العنان لقيمة اقتصادية أكبر فحسب، بل سيحسن أيضًا الجدوى التمويلية والاستدامة لمشاريع بنية الغاز الطبيعي التحتية من خلال توزيع الطلب وتقليل الاعتماد المفرط على أسواق الطاقة غير السائلة. وتظهر بعض الدول بالفعل كيف يمكن أن يبدو هذا. فقد بنت مصر والجزائر ونيجيريا صناعات ناجحة قائمة على الغاز الطبيعي في مجالات الأسمدة، والبتروكيماويات، والإسمنت، والصلب، مما يقدم نماذج عملية يمكن للأسواق الأخرى تكييفها وتوسيع نطاقها. إن استغلال فرص مماثلة في دول مثل أنغولا، والسنغال، أو جمهورية الكونغو، سيعتمد على الاستثمار المستهدف في البنية التحتية للقطاعين المتوسط والنهائي، إلى جانب عمل سياسات منسق يدمج الغاز الطبيعي في الاستراتيجيات الصناعية الوطنية".
وأشار تقرير الاتحاد الدولي للغاز أن احتياطيات الغاز الحالية في إفريقيا تزيد عن 17 تريليون متر مكعب، ويمثّل ذلك أكثر من 8% من إجمالي الاحتياطيات العالمية البالغة 209 تريليونات، ورغم تصدُّر نيجيريا والجزائر ومصر اكتشافات الغاز في إفريقيا لعقود، فقد شهد العقد الماضي (2010-2020) تحولًا مع اكتشافات بحرية عالمية المستوى في السنغال وموريتانيا وتنزانيا وموزمبيق، وما تزال إمكانات الغاز في القارة غير مستغَلة، وتُقدَّر أحجام الاكتشافات غير المطورة في شرق القارة وجنوبها فقط بنحو 150 تريليون قدم مكعبة (4.25 تريليون متر مكعب).
وتتصدر نيجيريا قائمة أكبر الدول من حيث احتياطيات الغاز المؤكدة في القارة بمقدار 5.98 تريليون متر مكعب ، فالجزائر بـ4.50 تريليون متر مكعب، وموزمبيق بـ2.8 تريليون متر مكعب، ومصر بـ2.21 تريليون متر مكعب، وليبيا بـ730 مليار متر مكعب، ثم الكونغو بـ284 مليار متر مكعب، والكاميرون بـ170 مليار متر مكعب، وأنغولا بـ129 مليار متر مكعب.
وأفاد التقرير أن بنية الغاز الطبيعي الإفريقية تتركز إلى حد كبير في شمال إفريقيا، لاسيما ما تعلق بشبكة خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، حيث تقدر الشبكة بالنسبة للجزائر بـ24.6 ألف كيلومتر بالنسبة للنقل و170.7 ألف كيلومتر بالنسبة للتوزيع. ورغم هذه الإنجازات، يذكر التقرير أن الجزائر تواجه تحدي تقليل حرق الغاز المصاحب وانبعاثات الميثان، مما يستدعي تكثيف الجهود لتبني أفضل الممارسات والتقنيات لتعزيز الكفاءة التشغيلية وتقليل البصمة الكربونية، تماشياً مع التوجهات العالمية نحو مشاريع الطاقة المستدامة.
ويختتم التقرير بتقديم ثمانية مبادئ استراتيجية لتعظيم الاستفادة من ثروات الغاز في إفريقيا، تشمل تصميم المشاريع المستدامة، والابتكار المالي، وتعزيز مناخ الأعمال، والتعاون الإقليمي، والاستثمار في المجمعات الصناعية، والتدرج في التنفيذ، وإصلاح أسواق الكهرباء، وتسعير الانبعاثات الكربونية، مما يشكل إطار عمل يمكن للجزائر أن تقود من خلاله مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي لتحقيق الأمن الطاقوي والتنمية المستدامة في القارة.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال