اسلاميات

أهمية الكتاب في حياة الأفراد والأمم والشعوب

كان السلف رضي الله عنهم يتفانون في حب الكتب ومجالستها؛ لما فيها من العلم والفائدة

  • 158
  • 3:08 دقيقة
الدكتور عبدالحق حميش
الدكتور عبدالحق حميش

 بمناسبة افتتاح الصالون الدولي للكتاب (سيلا 2025)، نذكّر بأهمية الكتب في حياة الإنسان، ذلك أن القراءة من أهم وسائل المعرفة على الإطلاق، وركيزة حضارية مهمة تسهم في بلورة شخصية الفرد والمجتمع على حد سواء، فالكتاب عنوان لشتى أنواع المعارف، وعليه يتوقف رقي المجتمعات، وهو عنوان لإبداع المبدعين وتنافسهم في شتى العلوم والمعارف، لذلك فإن له فوائد عظيمة وآثارا كبيرة.

جاءت الحضارة الإسلامية لتولي الكتاب رعاية خاصة، ومن بين الخلفاء المسلمين الذي اهتموا بالكتاب وما يحويه من علوم الخليفة العباسي المأمون الذي جعل لكل من يقوم بترجمة كتاب أجنبي وزنه ذهبا، ولقد أسّس المأمون دارا سمّاها ”بيت الحكمة” كانت أشبه بالمكتبة العامة والمجمّع العلمي الذي يلتقي فيه العلماء والفلاسفة ويتناقشون ويتدارسون ويتحاورون فيما بينهم.

إن أول ما خاطب به جبريل عليه السلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين تنزل عليه الوحي قوله تعالى في سورة العلق: {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم}، تلك كانت أول آيات أنزلها الله، وهي وإن دلّت على شيء فإنما تدل على أهمية القراءة. فالقراءة أمر إلهي عام صريح، لا مفر منه، فهو واجب عليك وعليّ وعلى جميع المسلمين، فبالقراءة يتعرّف المرء إلى خالقه، ويدرك مغزى وجوده في هذه الحياة الدنيا، ويتبيّن من قراءة القرآن الكريم منهج حياته القويم.

وما القراءة إلا أحد سبل العلم الرئيسية التي دعا إليه ديننا الحنيف، قال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، وقال أيضا: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}. وتعدّ القراءة من أهم أدوات اكتشاف الذات ومعرفة الآخر، إذ تعمل على إزالة الحواجز الزمانية والحدود المكانية، تمنح القارئ القدرة على التنقل بين الماضي والحاضر، وتحضه على التطلع نحو المستقبل وآماله.

كان السلف رضي الله عنهم يتفانون في حب الكتب ومجالستها؛ لما فيها من العلم والفائدة، وقد وضعوا في كتب آداب طالب العلم فصولا وأبوابا في أدب طالب العلم مع كتابه، وكيفية النسخ، والحث على الجيد من الورق، وصفة القلم الذي يكتب به، والحبر ولونه.
الكتاب هو وسيلة التعليم والتعلم، والاهتمام به بات من مقوّمات الهُوية الوطنية للأمم والشعوب؛ والحياة بكل مظاهرها تكون في ظلام متى عُزل الكتاب عنها. كما أنه يقودنا إلى كل ما يتعلق به، مثل الكتابة والقراءة والعلم والمعرفة، إذ جميعها عناصر لازمة وحلقات متصلة بالكتاب، والاهتمام بالكتاب هو عنوان لقيم حضارية تعتز بها الأمم وتفاخر، وهو عنوان لتنوع العلوم وتشابكها، وللإبداع والنبوغ والتفوق.

الكتاب هو المعلّم الأول للبشرية وفوائده تكاد لا تحصى، الكتاب ثقافة وتوجيه، معرفة وتعليم، والمجتمع مسؤول عن تدريب الأبناء على صحبة الكتاب، لأنه غذاء للعقل، كان ابن الجوزي يقول: إذا وجدت كتابا جديدا فكأني وقعت على كنز. قال الأصمعي لرجل: ألا أدلك على بستان تكون منه في أكمل روضة، وميت يخبرك عن المتقدمين، ويذكرك إذا نسيت، ويؤنسك إذا استوحشت، ويكف عنك إذا سئمت؟ قال: نعم، قال: عليك بالكتاب. فلا يخلو كتاب من فائدة تنفع من يعمل بها أو تحذر من أمر ما، كما إنها تعدّ خير وأجمل جليس وأحسنه وأكرمه وأنفعه للفرد وللمجتمع.

وهكذا كانت الكتب عند سلفنا الصالح؛ أنيسهم في الوحدة والغربة، وزادهم في السفر، وجليسهم في الخلوات، حتى أخرجوا لنا حضارة يانعة مثمرة، جنى ثمارها القاصي والداني، ولا زالت تفيض على العالم من ثمارها، رغم ما اعترى خلفهم من تفريط وكسل وضعف وهوان.

مع الأسف، أهمل الآباء دور الكتاب وأهميته في حياة أبنائهم، فاهتموا بتسلية الأبناء وترفيههم وإلباسهم أحدث الملابس وشراء أحدث الألعاب التي تنمي النزعة العدوانية لديهم وتبعدهم عن حب المطالعة ومصاحبة الكتب وإهمال القراءة والإطلاع، فالأسرة هي المحرك الأساسي والدافع لغرس حب القراءة وتقديسها في نفوس الأبناء منذ الصغر. لذا، فإن للأسرة دورا كبيرا في تقدم المجتمع في شتى المجالات في مدرسة الأجيال الأولى، فلابد من البدء في إعادة إحياء القراءة في منازلنا ومجتمعاتنا العربية كي نلحق بركب العلم والعلماء.
وإن الأمر ليحتاج منا إلى وقفة مع النفس، لنقف معها وقفة جادة، لنسألها: لِمَ لا نقرأ؟ ولِمَ أصبحنا لا نحب القراءة والكتاب؟ ولماذا نهاب القراءة؟ أسئلة لابد من التغلب عليها، بالرجوع الجاد إلى القراءة ومطالعة الكتب قبل فوات الأوان.