انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي 3 ادّعاءات استهدفت تشويه صورة المسلمين في منطقة ”تاور هامليتس” شرقي لندن، عقب احتجاج سلمي نظموه يوم السبت الفائت للرد على دعوات من حزب ”استقلال المملكة المتحدة” اليميني المتطرف لتنظيم مسيرة في المنطقة للمطالبة بطرد المسلمين.
وتعدّ تاور هامليتس واحدة من أكثر مناطق لندن تنوعا ثقافيا وعرقيا، وتضم جالية مسلمة كبيرة ساهمت في تشكيل هويتها الاجتماعية والسياسية على مدى عقود، حيث أصبحت المنطقة في السنوات الأخيرة رمزا للتعايش والتعدد الثقافي، لكنها أيضا محط أنظار الجماعات اليمينية التي تستخدمها مثالا في خطاب ”أسلمة بريطانيا”.
ورغم أن الشرطة البريطانية ألغت مسيرة الحزب قبل انطلاقها خشية إثارة الفتنة، فإن موجة من المنشورات على منصات التواصل حاولت قلب الرواية وتشويه صورة المسلمين، بترويج مزاعم عن ”سيطرة المسلمين على المنطقة”، ودعوة المتظاهرين المسلمين للجهاد، وحمل بعضهم للسلاح. ودفعت تلك المزاعم فريق ”الجزيرة تحقق” التابع لقناة ”الجزيرة” القطرية، إلى تقصي حقيقة الادّعاءات وتحليل مصادرها، للتحقق من صحتها ومقارنتها بالمعلومات الرسمية والوقوف على صحة ما جرى خلال الاحتجاج.
وادّعى حساب باسم ”توماس هارمان” عبر منصة ”إكس”، أن ”تاور هامليتس بأكملها يديرها مسلمون، وحتى تصويت الشباب مزوّر لصالح الإسلاميين. وكانت الملصقات المعلقة نتيجة تحالفات بين المسلمين وكونغرسات النقابات العمالية المناهضة للمسيحيين”. وأرفق الحساب صورة إعلان عن دعوة للترشح لانتخابات عمدة الشباب ”تاور هامليتس” التي ستجرى في ديسمبر المقبل، حيث يتضمن صورة مرشحة محجبة.
بالتحقق، تبيّن أن الادّعاء لا أساس له من الصحة، حيث يدير المنطقة مجلس بلدي منتخب ديمقراطيا، يرأسه منذ 2022 ”لوتفور رحمان” ضمن مجلس متنوع، وفق نتائج الانتخابات التي نشرتها وسائل إعلام بريطانية. ولا توجد أيّ دلائل على تزوير الانتخابات الشبابية، وتوضح المصادر الرسمية أن النظام الانتخابي في المنطقة تراقبه اللجنة الانتخابية البريطانية، وهي هيئة مستقلة.
أما عن صورة الفتاة المحجبة، فإنها تعود إلى ”فتوما حسن” عمدة الشباب الحالي التي انتخبت قبل عامين، واستخدمت في الدعوة لتشجيع الشباب على الترشح، وليست دليلا على احتكار المسلمين الحكم، بل يمكن لأي شاب مقيم في المنطقة التقديم للترشح، بغض النظر عن ديانته، وفق موقع مجلس البلدية. ولم تتوقف ادّعاءات ”سيطرة المسلمين” على المدينة سياسيا فقط، بل تعداديا أيضا بزعم أن معظم سكانها مسلمون، حيث زعم حساب باسم ”تيسا تيوزداي شايلد” التي عرفت نفسها بأنها من ساكني ”تاور هامليتس” أن ”عدد المسلمين بلغ 90% فعلا، وحمّلت المسؤولية مجلس المدينة”. وتحقق فريق ”الجزيرة تحقق” من صحة الادّعاء، حيث كشف آخر تعداد سكاني رسمي للمملكة المتحدة في 2021، ويجري كل 10 سنوات، أن المسلمين يشكلون نحو 39.9% فقط، أي أن عددهم لم يبلغ حتى نصف إجمالي عدد سكان المنطقة.
كما روّجت حسابات داعمة للسردية الإسرائيلية واليمينية على المنصات ادّعاءات بأن المتظاهرين هتفوا بالجهاد خلال مظاهرتهم بالمنطقة، منها حساب باسم ”ليزا روزن” الذي نشر فيديو يتضمن أنشودة دينية مضافة للمقطع، ومصحوبا بتعليق: ”المسلمون اجتاحوا بلدية تاور هامليتس، وهم يهتفون بالجهاد ويمجدون الشهداء من حركة حماس الذين يضحون بحياتهم لقتل اليهود من أجل الله”. من جهتها، أعلنت الشرطة عبر منصة ”إكس”، السبت المنصرم، أن الاحتجاج في منطقة تاور هامليتس انتهى دون تسجيل اعتقالات، وقد أعيد فتح طريق وايت شابل، الأمر الذي يؤكد مراقبة الشرطة للاحتجاج وعدم وجود أي أسلحة مع المتظاهرين.
ووصف موقع ”آل بي سي” البريطاني الاحتجاج في تاور هامليتس بأنه ”عرض قوة سلمي” بهدف ”الدفاع عن المجتمع”، وقال إن آلاف السكان المحليين شاركوا فيه، دون ذكر أي أدلة عن تطرف المتظاهرين.
يذكر أن المسلمين في بريطانيا يتعرّضون باستمرار لحملات تشويه ممنهجة، تعتمد بشكل كبير على التضليل ونشر الادّعاءات المفبركة لتشكيل صورة مغلوطة عن المجتمع المسلم.
عبد الحكيم قماز
29/10/2025 - 23:12
عبد الحكيم قماز
29/10/2025 - 23:12
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال