أحيى العالم في الواحد من مايو الفارط ذكرى العمال، ولقد أولى الإسلام العمل أهمية كبيرة إذ للعمل في الإسلام مكانة عالية ومنزلة رفيعة، به ينال الأجر والثواب، وهو عبادة عظيمة لله وامتثال لأمره، عن طريقه تقوم الحياة وتعمر الديار وتزدهر الأوطان ويحدث الاستقرار، أمر به سبحانه وتعالى فقال: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}، وقال سبحانه: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}.
اعتبر الإسلام العمل نوعا من أنواع الجهاد في سبيل الله، فقد رأى بعض الصحابة شابا قويا يسرع إلى عمله، فقالوا: لو كان هذا في سبيل الله، فردَّ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ”لا تقولوا هذا؛ فإنه إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان”.
لقد جعل الله الأرض مستقر حياة الإنسان ومعاشه في هذه الدنيا، وأوجد فيها الكثير من النعم، وسخر جميع المخلوقات لخدمته، ونوَّع له أبواب الرزق وطرقه، وأمره بالسعي والعمل الصالح النافع الذي جعله سببا لمعاشه وعزته وقوته، قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا}، والمطلوب أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحا، وإلى أبواب الرزق ساعيا، ولكن قلبه معلق بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره.
إن نظام هذه الحياة يتطلب السعي والعمل، فجميع المخلوقات من حولنا تسعى بجد، وتعمل بنشاط، فكان من الواجب أن ينهض الإنسان للعمل مستشعرا بشعار الجد والنشاط، طارحا القعود والكسل وراءه ظهريا، حتى يقوم بما فرضته عليه طبيعة الإنسانية، وهي سنة الله في خلقه، وبما أوحت إليه القوانين الشرعية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده”، ويقول أيضا: ”إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل”.
وفي المقابل، جعل سبحانه القعود عن العمل والاتكال على الآخرين مذموما مقبوحا؛ لأن في ذلك ظلم للنفس وإهانة لها. والذي يطلب المال من الناس مع قدرته على العمل ظالم لنفسه؛ لأنه يُعرِّضها لذل السؤال، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها، فقال صلى الله عليه وسلم: ”لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه”. ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ”لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة”، فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمته في الحياة.
لقد جاء الإسلام داعيا أتباعه إلى العمل والسعي في هذه الأرض، وأوجب عليهم أن يكونوا الأجدر في الحياتين؛ فحثهم على الإيمان والعمل الصالح، كما حثهم على العمل في عمارة الأرض واتخاذ الأسباب المشروعة الكافلة للعيش عليها؛ من حرث وتجارة وصناعة وغيرها، وكان من مِنَّته على عباده أن جعل الأرض لهم مستقرا وذلولا للسعي فيها وابتغاء الرزق وتحصيل المعايش منها، وأودع فيها الكثير من النعم، وسخّر ما فيها من مخلوقات لخدمة هذا الإنسان.
ولقد سبق الدين الإسلامي كل الأنظمة والقوانين والمواثيق في حفظ حقوق العمال بغض النظر عن ديانتهم وجنسياتهم، وجعل العلاقة بين صاحب العمل والعامل أو الموظف أو الخادم أو الأجير تحكمها قاعدة واضحة، وهي أنه على الأجير أن يحسن عمله على الوجه الأكمل ويراقب اللهَ فيه، فقال صلى الله عليه وسلم: ”إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”، وعلى صاحب العمل أن يحفظ للعامل حقه المادي وحقه المعنوي بلا قهر أو إذلال، أو احتقار أو إساءة معاملة، مع معاملته برحمة وشفقة، والمسارعة في إعطائه حقه لقوله صلى الله عليه وسلم: ”أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”.
الخبر
04/05/2025 - 22:57

الخبر
04/05/2025 - 22:57
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال