مع الأسف، في فصل الصيف ومع الجو الحار، وأثناء ارتياد المصطافين للشواطئ والأماكن السياحية يتركون من ورائهم كميات هائلة من القاذورات والأوساخ التي تسيء إلى البيئة والمظهر العام للمجتمع، مما يستوجب علينا التذكير بأهمية نظافة المحيط في ديننا الإسلامي.
إن الإسلام يُعنى بالنظافة الخاصة والعامة، والظاهرة والباطنة، والمعنوية والمادية، والنظافة في الإسلام تعني حرص المسلم على نقاوة بدنه وطعامه وشرابه، وحسن صورته وهيئته، في ملبسه وأثاثه، نقي الوعاء، وجمال مسكنه وساحته، ومواقع نظره وشمسه، في بره وبحره وشواطئه، في محيطه وحيه، في مدينته وقريته، وأماكن اجتماعه بأحبابه وأصحابه، نظيفا في حله وترحاله، محافظا على نظافة بيته ومجتمعه، بعيدا عن الدنس والدرن، فتلكم هي النظافة الحسية. بل إن النظافة في الإسلام قبل هذا وذاك هي أن يحرص الإنسان المسلم على نقاء عقله، وصفاء نفسه وسريرته، بعيدا كل البعد عن الأحقاد والموبقات، مع استقامة أعضائه وجوارحه، وذلك باجتنابه الفواحش والمنكرات، والرذائل والموبقات، طاهر العقل والقلب، في المخبر والمظهر، صحيح النية، خالص الإخاء، محمود الوفاء، ممتثلا أمر ربه، بعيدا عن نواهيه، فأنعِم بها وأكرِم من نظافة، وتلك هي النظافة المعنوية.
إن النظافة في الإسلام علامة من علامات الإيمان، والمحافظة عليها من شيم الأخيار، وفضيلة في كل زمان ومكان، بل مظهر حضاري يمنح الأمة الرقي والازدهار، بها يضحى المجتمع نقيا ويرقى إلى الأمام. لذا، فالنظافة لازمة ومطلوبة ينبغي تجسيدها في مرافق الحياة كلها، وهذا مقصد من مقاصد البيئة في الشريعة الإسلامية.
وحرصا من ديننا الإسلامي على نظافة البيئة والمحيط، نهى عن رمي الأوساخ والنجاسات والقاذورات، في الماء الراكد، ومجاري المياه، وفي ظل الناس وأماكن تجمعهم، وفي طرقاتهم، كما أمر بنظافة البيوت وأماكن الجلوس ونهانا عن التشبه باليهود. عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظلّ”. ولعل من أهم المقاصد التربوية المستفادة من الحديث: جمال الرحل، وجمال المسكن، وجمال الحي، وجمال المدينة، وجمال المحيط، بالإضافة إلى تربية الذوق والإحساس. فالاهتمام بنظافة الأماكن العامة، لاسيما الطرقات والحدائق والبساتين والأرصفة والشواطئ حيث يتواجد الناس ويجلسون ويتسلون ويصطافون، هو حكم شرعي إلهي، لا يجوز مخالفته والابتعاد عنه. فلا يليق بالمؤمن العاقل أن يضع الأذى في طرقات المسلمين، وظلهم، وأماكن تجمعهم، وخلف جدران مساكنهم ومؤسساتهم كالمدارس والمستشفيات، إما متبرزا، أو ملقيا للأزبال، جالبا للذباب والبعوض والهوام، مخالفا أمره وهو القائل للسائل الذي قال له: يا رسول الله، دلني على عمل أنتفع به، فقال: ”نَحِّ الأذى عن طريق المسلمين”.
فما أحوجنا إلى الهدي النبوي الذي يضيء طريق الناس ويهديهم إلى طريق الصواب، فما أجمل الشريعة الإسلامية الغراء وهي تحثّ على الطهارة والنظافة، وجمال الصورة والهيئة، وجمال المسكن والساحة، والمدينة والقرية، ونقاوة البدن والطعام والشراب، وصفاء السيرة والسريرة، ورونق المحيط، وجمال الطبيعة، كل هذا من مظاهر الحضارة الإسلامية وأسباب الرقي الإنساني التي تجعل الأمة ترقى وتلحق بالركب الحضاري.
والنظافة في الإسلام قيمة إيمانية عظيمة الشأن، فهي من الأشياء التي يحبها الله تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، وهي جزء لا يتجزأ من الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”الطهور شطر الإيمان”، فهي عبادة رفيعة يُثاب فاعلها، ويأثم تاركها في بعض مظاهرها. وقد امتدح الله عز وجل أهل قُبَاء، وجعل حرصهم على النظافة والطهارة سببا في حبه تعالى لهم، فقال سبحانه: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}، أي يتطهرون من الأحداث والجنابات والنجاسات.
والنظافة مسؤولية مجتمعية؛ فالإسلام كما اهتم بنظافة الإنسان فقد اهتم بنظافة البيئة والمكان، وجاء بآداب وأخلاق تدرأ خطر النفايات على صحة الإنسان والبيئة، قال صلى الله عليه وسلم: ”الإيمان بضع وسبعون -أو: بضع وستون- شُعبَة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شُعبة من الإيمان”، وقال: ”عُرِضَت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدتُ في محاسن أعمالها: الأذى يُماط عن الطريق”.
ويجب أن نعلّم أبناءنا معنى النظافة، وأنها ليست كلمة تقال وإنما هي سلوك يظهر، وأنها من الدّين، ونبيّن لهم مخاطر التهاون فيها، وأن نعلّمهم آداب النظافة وصورها، ونخص بالذكر بعض السلوكيات التي يقع فيها الأطفال خاصة كـ: إلقاء أغلفة المأكولات السريعة في الطرقات، وأكل المسليات، ورمي القشر في الطريق... وما إلى ذلك.
فالقدوة الحسنة من أهم العوامل التي تؤثر في السلوك، فعلى الآباء أن يكونوا مثلا يحتذى به بالنسبة للأطفال، لذلك يجب على الأم والأب مراعاة قواعد النظافة على المستوى الفردي كالنظافة الشخصية وعلى المستوى العام كالنظافة العامة، ولابد من أن تفرض على الطفل منذ وعيه للدنيا رقابة مدروسة، وأن تظهر الأم استياءها من أي سلوك غير نظيف من ابنها، ولا تنسى أن تكافئه عندما يقوم بالعمل من تلقاء نفسه وتحتضنه وتقبله.
الخبر
13/07/2025 - 23:47
الخبر
13/07/2025 - 23:47
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال