اسلاميات

أعظم قدوة وقائد.. فما حال خير أمة؟

يكفي محمدا فخرا أنه خلّص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم

  • 215
  • 4:06 دقيقة
الدكتور عبدالحق حميش
الدكتور عبدالحق حميش

“يكفي محمدا فخرا أنه خلّص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وأن شريعة محمد، ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة”، هذا الذي يقوله أديب روسيا الأكبر تولتسوي حقيقة يشهد بها كل منصف من غير المسلمين، ولكن للأسف يجهلها أو يتجاهلها بعض المسلمين؟!. هذا ما يقوله هذا الروائي العالمي الكبير، ولكن للأسف بعض (المُخربشين) عندنا، الذين يزعمون أو يحلمون أنهم روائيون يتبجحون بالطعن في شريعة هذا النبي الكريم والدين الحق الذي جاء به!.
نعم عجيب لأمة رسولها وقائدها وقدوتها محمد صلى الله عليه وسلم أن تضلّ في دين، أو أن تذلّ في دنيا، أو أن تخضع لاستعمار، أو أن تخنع لاستبداد، أو أن ترضى بتخلف، أو أن تستمرئ الضعف وتقبع في ذيل الأمم؟!، ولكن حال الأمة ما نعرف ولا يخفى على أحد. وهي حال عجيبة لأمة تملك كل مقومات النهوض ولا تنهض!، وطريق المجد مرسوم أمامها واضح المعالم بيّن المسالك ولا تسير فيه!. بل تتخبط بين طرق مقطوعة وسبل خادعة. مستبدلة الذي هو أدنى بالذي هو خير!، فصارت كالغراب الذي أراد أن يمشي مشي الحمام فما مشاه واختلطت عليه مشيته.

إن كثيرا من المسلمين غرقوا في حضيض الواقع الذي نعيشه ففقدوا النظرة المتزنة للحياة، فراحوا يقارنون بين الإسلام والغرب مقارنة عرجاء نتيجتها عوجاء، وهذا ما نبّه عليه مالك بن نبي رحمه الله في قوله: “فكرة أصيلة لا يعني ذلك فعاليتها الدائمة. وفكرة فعالة ليست بالضرورة صحيحة. والخلط بين هذين الوجهين يؤدي إلى أحكام خاطئة، وتلحق أشد الضرر في تاريخ الأمم حينما يصبح هذا الخلط في أيدي المتخصصين في الصراع الفكري وسيلة لاغتصاب الضمائر. إن الأصالة ذاتية وعينية، وهي مستقلة عن التاريخ. والفكرة إذ تخرج إلى النور فهي: إما صحيحة أو باطلة. وحينما تكون صحيحة فإنها تحتفظ بأصالتها حتى آخر الزمان. لكنها بالمقابل، يمكن أن تفقد فعاليتها وهي في طريقها؛ حتى ولو كانت صحيحة”. [مشكلة الأفكار، ص 102].

وهذا بالضبط ما حدث للفكرة الإسلامية؛ فصحتها لا يجادل فيها إلا مكابر جاحد، ولكنها فقدت فعاليتها. أي فقد المسلمون فعالية التأثر والتحرك بالإسلام. وربما كان رواد النهضة دقيقين ومتوازنين في سؤالهم الذي صاغه شكيب أرسلان عنوانا لكتابه: “لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟”، وصرنا الآن لا نسأل إلا: لماذا تقدّم غيرهم؟، فأسقطنا الشطر الأهم والأخطر!. هذا هو السؤال الجوهري: لماذا تأخّر أتباع سيد الأنبياء والمرسلين عليه السلام؟، وهو القائل: “وَايْمُ الله لقد تركتُكُم على مثل البيضاء ليلُها ونهارُها سواء” رواه ابن ماجه. حقا ما ترك خيرا يقربنا إلى الله إلا أمرنا به، ولا شيئا يبعدنا عن الله إلا نهانا عنه، ولا شيئا يعزّنا في ديننا ودنيانا إلا بيّنه، ولا شيئا ينفعنا في ديننا ودنيانا إلا أوضحه، ولا شيئا يضرّنا في ديننا ودنيانا إلا حذّرنا منه. وإذا لم ننتفع بذلك فعلينا مراجعة أمرنا وحالنا، والبحث عن الخلل لإصلاحه، والعلل لمعالجتها، والاعوجاج لتقويمه. وإلا فإنه لعجيب حقا أن يدرك غير المسلمين عظمة محمد صلى الله عليه وسلم ويبصروا نوره الوضّاء؛ في وقت يعمى فيه بعض المسلمين عن هذا النور العظيم والضياء العميم، يقول ألكسيس كاريل الحائز على جائزة نوبل في الطب: “إنما النبي محمد شهاب أضاء العالم”. بل هو الشمس وأكبر وأكثر من الشمس نورا وضياء ورفعة وعظمة!. وما يضرّ الشمس أن ينكر نورها أعمى؟! أو أرمد العين مريضها؟! أو من أغلق عينيه عمدا؟! أو من استعاض عن نورها بالاستضاءة بنور عود الثقاب؟!.

وفي غمَّة من لا ترى الشمس عينُه وما نفع نورِ الشمس في الأعين الرُّمْد
بيد أن السؤال: لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟ وإن كان مهما لعموم الناس؛ فإن النخبة يجب عليها أن تصوغ سؤالا أكثر عملية ودقة، وهو: كيف تأخّر المسلمون وكيف تقدّم غيرهم؟. ذلك أن الجواب عن السؤال الأول سيفسر لنا الظاهرة، لكن الجواب عن السؤال الثاني سيضع أمامنا حلولا وكيفيات، ويمهد الطريق لوضع خطة النهوض والانبعاث.

وذكرى ميلاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أنسب مناسبة لبث الأمل في الأمة بغد مشرق، وأنسب مناسبة لبعث الأمة على العمل من أجل مستقبل أزهر، حيث أن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ولد في أمة متهاوية في جوانبها كلها إلا قليلا، والانقسامات والصراعات تلفّها من كل جهة، والنظام العالمي المهيمن كان يسيطر عليه منطق الإمبراطورية، والشرك ضارب بجرانه على العالم بأسره.. وانطلق في دعوته متوكلا على ربه، بعزيمة مضاء، وهمة قعساء، وعمل متواصل، وجهاد جهيد، وتضحية هائلة، فلم يغير قومه وحالهم فقط، ولم يغير العرب وجزيرتهم فقط، بل غير العالم كله، وغيّر مسار التاريخ، وغير واقع الإنسانية ومستقبلها... أو كما قال الإمام العلامة الإبراهيمي عليه شآبيب الرحمة: “ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالهدى ودين الحق، هو مولد لكل ما جاء به محمد من الهدى ودين الحق، فهو مولد للصلاح والإصلاح والهداية والرحمة والخير والعدل والإحسان والأخوة والمحبة والرفق، وهو مولد لجميع الشرائع السمحة التي غيّرت الكون، وطهّرت النفوس.. ومولد محمد هو الحد الفاصل بين حالتين للبشرية: حالة من الظلام جللها قرونا متطاولة، وحالة من النور كانت تترقبها، وقد طلع فجرها مع فجر هذا اليوم، فميلاد محمد صلى الله عليه وسلم كان إيذانا من الله بنقل البشرية من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهداية، ومن الوثنية إلى التوحيد، ومن العبودية إلى الحرية، وبعبارة جامعة من الشر الذي لا خير فيه إلى الخير الذي لا شر معه” [الآثار، ج4 ص142].

وهذا ما يجب أن نفهمه من ذكرى المولد، وهذا ما ينبغي أن نعلّمه لأبنائنا وشبابنا من خلال الاحتفاء بذكرى المولد.