تواجه الأسرة المسلمة في هذا العصر تحديات عظيمة تحاول النيل من وحدتها وتمسكها بقيمها وأحكام دينها الإسلامي الحنيف، تحديات معقدة تؤثر على استقرارها وأدوارها.
تعدّ الأسرة النواة الأساسية في بناء المجتمعات، وهي الخلية الأساس في تكوين البناء القاعدي لأي مشروع حضاري وسياسي، حيث تؤدي دورا محوريا في تنشئة الأفراد وغرس القيم وتعزيز التماسك الاجتماعي وتكوين هويتهم، بتوفير الدعم العاطفي والمادي وغرس القيم الإنسانية والمبادئ الاجتماعية. ومن أهم التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة تلك المواثيق الدولية التي تستهدف استثمار قضايا المرأة والأسرة، من أجل فرض مرجعية قانونية كونية جديدة بدعوى أن تلك المرجعية تمثل مشتركا إنسانيا، بينما هي في حقيقة الأمر لا تعكس إلا هوية الثقافة الغربية.
ويؤكد الدارسون أن المواثيق الدولية التي تدّعي حماية النساء والأطفال تسهم بشكل كبير في تفكيك الأسرة وإضعاف قيمتها وتدمير النسيج الاجتماعي، كما أن هذه المواثيق تسعى لإلغاء المسؤوليات المتبادلة بين الزوجين وتحويل العلاقة الأسرية إلى شراكة قائمة على المصلحة وتشجيع الأبناء (أطفالا وشبابا) على التمرد ضد الوالدين، وبالتالي ضرب وحدة المجتمع عبر نواته الأساسية.
إن التحديات الراهنة التي تواجه الأسرة المسلمة اليوم كان من أسبابها الجهل والضعف الذي أصاب الأمة الإسلامية، ولعدم التزامنا بثوابت الأسرة والتربية في الإسلام، إذ لم يكن هناك وعي بخطورة التحديات، بل كان فراغا في ثقافتنا امتدت من خلاله الأفكار الغربية.
إن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، كما أنها الموقع الأول لبناء الإنسان، وقد حرص الإسلام على أن تكون اللبنة قوية متماسكة، تسهم في بناء الكيان العام بما تحققه لكل فرد من أفرادها، من الإحساس بالأمن والطمأنينة. ولما علم الأعداء المكانة المرموقة التي تحتلها المرأة في المجتمع المسلم، وتيقنوا من دورها الفعال في تربية النشء وإعداد الأجيال والمساهمة في التنمية الثقافية والاقتصادية، عمدوا إلى المواثيق الدولية ووسائل الإعلام والاتصال لاستغلالها في تفكيك أواصر الأسرة المسلمة وبث الدعايات والإشاعات المغرضة في مجتمعاتنا التي كانت متماسكة عصية على كل دخيلٍ.
كلنا يعلم بأن الأسرة والمرأة المسلمة هي المستهدف الأول في هذه الحرب التشريعية والثقافية والإعلامية الداعية إلى الانحلال والتفسخ، لأنهم يعلمون بأن الأسرة هي الركيزة الأساسية في بناء المجتمعات، والمحضن الأول للأطفال، فإذا صلحت صلُح المجتمع كله وإذا فسدت فسد المجتمع كله.
ولقد اعتنى الإسلام ببناء الأسرة، من خلال منظومة عقدية وقيمية متناسقة وشاملة، يقوم أساسها على تحقيق مبادئ عظيمة، من أهمها العدل والمودة والرحمة، كما قال الله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
ومع أن لا أحد ينكر أن الإسلام رسخ وشرع للمرأة من الحقوق ما لم تشرعه أمة من الأمم في عصر من العصور، فتحسنت في ظله وتعززت مكانة المرأة وحصلت على حقوقها غير منقوصة، كما رفع عنها وزر الإهانات التي واكبتها عبر التاريخ وفي كل حضارة من الحضارات التي سبقت الإسلام أو عاصرته، فقد أعلن للمرأة إنسانيتها وأهليتها التامة عن طريق وضعه للقواعد التي تكفل لها المساواة في الحقوق مع الرجل على ضوء مراعاة وجود تمايز في الخصائص والوظائف بين الرجل والمرأة، كما وضع الإسلام قواعد تحفظ وتصون كرامتها وتمنع استغلالها جسديا وعقليا، ومع ذلك ظل المجتمع الدولي، وخصوصا الغربي، يرى أن المرأة لا تتمتع بالمساواة الفعلية والكلية مع الرجل في حقوقها وتعاني من تمييز واسع النطاق ضدها، مما يعدّ اعتداء على مبدأ المساواة الذي يمثل أهم ركائز منظومة حقوق الإنسان، من هذا المنطلق، فكر واضعو الاتفاقيات الإنسانية بإقرار اتفاقية لكفالة حماية حقوق المرأة ومنع أي تمييز بينها وبين الرجل، مهما كان أساسه، ونتج عن ذلك وضع اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة عام 1979.
ولعل السؤال الذي نحتاج إلى الإجابة عنه: ما هي سبل التحصين الناجعة والتعامل مع هذه التحديات؟ الجواب: ضرورة تعزيز الوعي الديني والقيمي، من خلال التعليم والتربية على المبادئ الإسلامية والقيم الأخلاقية، وتقوية التواصل والشعور الأسري لتشجيع الحوار بين أفراد الأسرة لحل المشكلات ومناقشة الآراء، وتدعيم روابط المحبة والود، والاستفادة من التطور التكنولوجي بشكل إيجابي وضوابط قيمية، وذلك بالانفتاح الواعي على الثقافات الأخرى والحفاظ على الهوية الإسلامية. وعلى كل فرد أن يعي المسؤولية التي هي على عاتق الزوجين، والالتزام بها، وتفعيل دورهما كوالدين في تنشئة الأبناء، والعودة الصادقة إلى شرع الله تبارك وتعالى، فلن تصلُح الأسرة وتُصلِح إلا بالنهج الأول، وصدق إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله لما قال: ”لن يُصلِح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها”.
ومما يحتم علينا الحرص على تعليمها دينها لتحصن نفسها ومن تعول من أبنائها وأسرتها، لتكون عنصر بناء فعّال لا معول هدم تُفسد ولا تُصلح، ولا يتأتَّى ذلك إلا بالعلم والتربية الصالحة المصلحة التي تربط الفرد بربه ربطا يجعله في مقدمة الأمم النافعة لدينها ووطنها، والتربية الصالحة من أنجع السبل والوسائل في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، لأن المرأة التي تربت وترعرعت في أحضان أسرة مسلمة زادها القرآن وهداها هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، تعيش الاستقرار والراحة النفسية لأنها تشبّعت بالحب والحنان، فلا يمكن أن تبحث عن الحب والاستقرار خارج بيتها.
الخبر
01/09/2025 - 23:10
الخبر
01/09/2025 - 23:10
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال