ببالغ الحزن والأسى، شيّعت مدينة بوسعادة، الخميس الماضي، الإمام الفاضل الشيخ حمزة لعرابي الذي وافته المنية إثر سكتة قلبية مفاجئة، تقبله الله تعالى في الصالحين المصلحين والعلماء العاملين، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
عُرف الفقيد رحمه الله بإمامته للمصلين وصدحه بالقرآن الكريم، وكان رمزا للعلم والتواضع ورجل صلح ومجمع خير، تاركا وراءه إرثا من الذكر الحسن وأثرا طيّبا في نفوس محبيه وتلامذته.
ولد الشيخ لعرابي يوم الأربعاء 9 ذو القعدة 1379هـ الموافق 15 ماي 1960م بمدينة بوسعادة بالجزائر، ودرس ببوسعادة محل ولادته كل المراحل التعليمية النظامية، مع دراسة وحفظ القرآن الكريم على مشايخ حارته الدشرة القبلية، وبعدها دخل المعهد التكنولوجي لتكوين المعلمين الذي بقي فيه للتعلم ثلاث سنوات. كما قرأ على الشيخ خليل القاسمي شيخ زاوية الهامل الأدب، وعلى الشيخ إبراهيم مرخوف النحو والصرف، وعلى الشيخ موسى الأحمدي نويوات العروض والقوافي. ثم يمّم وجهه شطر المسجد الحرام بمكة المكرمة فدخل معهد الحرم المكي سنة 1403هـ/1982م، درس فيه وعلى ثلة من مشايخ الحرم وغيرهم، منهم العلامة أحمد نور السيف في الحديث ومصطلحه، وعلى الشيخ السعيد الحبشي الألفية، وعلى الشيخ السعيد العبد الله عالم القراءات السوري جلسات في علم القراءات وورش.
من مؤلفاته التي خلفها: ديوان شعر الرحيق المختوم، منظومة الناسخ والمنسوخ (أزيد من ثلاثمائة بيتا)، منظومة في الصحابة الذين دخلوا إفريقيا، منظومة فيمن شرح الموطأ من المالكية، منظومة فيمن شرح البخاري من المالكية، منظومة الإخوان، منظومة في تهذيب أخلاق أبناء الكتاتيب، ومؤلف في حياة الإمام الأخضري وعصره وغير ذلك من البحوث والفتاوى وغيرها.
فالموت قدر محتم على كل حي، لا ينجو منه كبير ولا صغير، ولا غني ولا فقير، ولا شريف ولا حقير، ولا حاكم ولا محكوم، ولا عالم ولا جاهل، ولا ذكر ولا أنثى.. الموت نهاية الحياة الدنيا، وبداية حياة الآخرة، يقول تعالى: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}. وإنما يعظم أمر الموت، ويفظع شأن المصاب، إذا كان المفقود عالما من علماء الأمة، تستنير بعلمه البلاد، ويستضيء بفقهه العباد. فالعلماء ورثة الأنبياء، وجودهم خير عظيم، وفقدهم مصاب جسيم، فهم نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، وهم الملاذ بعد الله تعالى لبيان مراد الله من دينه، يقول تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسُئِلوا فأفْتَوا بغير علم فضلُّوا وأضلوا”، وقال سفيان بن عيينة: وأي عقوبة أشد على أهل الجهل من أن يذهب أهل العلم. بل إن موت العلماء شرط من أشراط الساعة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ”إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل”، ولهذا يُعدّ موت العالم خسارة فادحة ونقصا كبيرا وثلمة في الإسلام لا تسد.
ولا يخفى على كل مسلم مكانة العلماء ورفعة شأنهم وعلو منزلتهم وسمو قدرهم، إذ هم في الخير قادة وأئمة تُقتصّ آثارهم، ويُقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، تضع الملائكة أجنحتها خُضعانا لقولهم، ويستغفر لهم كل رطب ويابس حتى الحيتان في الماء، بلغ بهم علمهم منازل الأخيار ودرجات المتقين الأبرار، فسمت به منزلتهم وعلت مكانتهم وعظم شأنهم وقدرهم، كما قال الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، وقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.
موت العلماء مصيبة وأي مصيبة، إنها مصاب للأمة جمعاء لأنهم مصابيح الدجى وعلامات الهدى، هم كالشمس في النهار، والعافية للبدن. ومن أصابته مصيبة أو فقد حبيبا، فليتذكر مصيبته بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: ”من أصابته مصيبة فليتذكر مصيبته بي، فإنها من أعظم المصائب”، فموته صلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة وقعت على الأمة؛ لأن بموته انقطع الوحي، وظهر الشر، وانتشرت الفتن، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه، ورُفعت الأمانة التي كانت بوجوده، ودبّ التفرق والتشتت، وكثر التخبط.
اللهم اغفر لأخينا وشيخنا الإمام حمزة لعرابي، وندعو الله عز وجل أن يجزيه عنا وعن الإسلام والمسلمين خير ما جازى عالما عن أمته وبلده، اللهم نوِّر له قبره، اللهم ارحمه تحت الأرض، اللهم ارفع درجاته في المهديين، اللهم بوئه الفردوس الأعلى، اللهم اجمعنا به في الجنة، اللهم أجزه عنا وعن المسلمين خيرا، يا ذا الجلال والإكرام.
الخبر
14/09/2025 - 23:00
الخبر
14/09/2025 - 23:00
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال