الخذلان هو ترك الإعانة والنصر والإغاثة، وهو من الصفات الذميمة التي تستجلب الذل والهوان؛ ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره”. قال النووي رحمه الله: (وأما ”لا يَخْذُله”، فقال العلماء: الخَذْل: ترك الإعانة والنصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه، لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعي).
إن تسليم المسلم أخيه المسلم لعدوه وتركه له لينفرد به دون خوف أو اعتبار لكثرة المسلمين لأنهم غثاء كغثاء السيل؛ فقلة من اليهود دنست الأقصى وتقتل المسلمين وأذاقتهم ألوانا من الذل والهوان على مرأى ومسمع من العالم كله عامة والإسلامي خاصة، ومع ذلك فلم نستطع أن نحمي إخواننا منهم وكأننا شاركنا في تسليمهم إليهم، وهذا ما نهانا عنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ”المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه –أي إلى عدوه– من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”.
خذلان المسلم لأخيه المسلم حرام شرعا، وقد عدّه ابن حجر الهيثمي من الكبائر، قال المُناوي: (خِذلان المؤمنِ حرام شديد التحريم؛ دنيويا كان، مثل أن يقدر على دفعِ عدو يريد البطش به، فلا يدفعه، أو أُخرويا كأن يقدر على نصحه من غيّه بنحوِ وعظ، فيترك). وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على نصرة المسلم لأخيه المسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”انصر أخاك ظالما أو مظلوما”، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: ”تأخذ فوق يديه”.
وللوقوع في الخذلان أسباب كثيرة، منها الافتراق والاختلاف في الدين، والاستعانة بغير الله، وطاعة الكافرين والمنافقين، والركون إلى الظالمين، والتكالب على الدنيا وكراهية الموت، والإغراق في اللهو وطلب الراحة، الجبن وسوء الرأي. ومِن أهم صور الخذلان ما يحدث لإخواننا في غزة من بطش وتجويع وتقتيل، ونحن نتفرج عليهم وكأن الأمر لا يهمنا، وإن خذلان المسلمين وعدم نصرتهم عند جهادهم لعدوهم، لاسيما عند اعتداء هؤلاء الأعداء على المسلمين، صفة مِن صفات المنافقين، قال الله تعالى فيهم: {وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون * الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين}. ونصرة المسلمين سبب لتفريج الكربات، فالجزاء من جنس العمل، ففي الصحيح قول نبينا صلى الله عليه وسلم: ”ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة”.
قد يظن البعض من المسلمين أنه مادام مؤديا لأركان الإسلام ومحافظا على الصلوات الخمس في جماعة ومؤديا زكاة ماله للفقراء والمساكين ومداوما على تكرار الحج والعمرة ووصولا للرحم ونحو ذلك من الواجبات الشرعية تجعله في حل من نصرة أخيه المسلم في أي مكان، وهذا فهم خاطئ، وواجب على أهل العلم أن يصححوا هذه المفاهيم الخاطئة، وأن يذكروا المسلمين بأدنى حقوق الأخوة في الإسلام وبيان حكم الشرع في هذه النصرة.
إن المسلمين في شتى بقاع الأرض، وبحكم الأخوة التي تجمعهم، ملزمون ومطالبون شرعا بأن ينصر ويؤازروا بعضهم بعضا، لاسيما حين تدعو لهذا ضرورة من ظلم أو استضعاف أو اعتداء خارجي أو نحو هذا. وهذا التناصر والتآزر من أعظم وأهم حقوق الأخوة بين المسلمين، كما أنه من مظاهر الولاء بينهم، ومقتضياته كذلك أن أولئك المسلمين المقهورين المظلومين لهم على إخوانهم المسلمين القادرين على نصرتهم حق النصرة والنجدة بكل الوسائل الممكنة، حتى يبرؤوا من محنتهم وينفكوا من أغلال الظلم الذي يكتنفهم، وهؤلاء المسلمون المستضعفون المظلومون يستنجدون بإخوانهم المسلمين في العالم صباحا ومساء، ومع الأسى والأسف لا تجد استغاثاتهم من المسلمين إلا الخذلان. لقد هان المسلمون أفرادًا وهانوا أممًا، يوم وهت أواصر الأخوة بينهم، ونظر أحدهم إلى الآخر نظرة استغراب وتنكُّرٍ، وأصبح الأخ يُنتقص أمام أخيه فيهز كتفيه ويمضي لشأنه كأن الأمر لا يعنيه.
الخبر
27/07/2025 - 23:34
الخبر
27/07/2025 - 23:34
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال