اسلاميات

وجوب احترام كبار السن في المجتمع المسلم

تعرض رجل مسن لموقف محرج من طرف أحد المرافقين للاعب مشهور وسمه بأنك شيخ كبير، ولقد لقي هذه التصرف استهجان الكثير من الجزائريين، لأن من عاداتنا ومن تربيتنا الدينية أننا في مجتمع يحترم المسنين ويقدّرهم

  • 278
  • 2:56 دقيقة
الدكتور عبدالحق حميش
الدكتور عبدالحق حميش

تعرض رجل مسن لموقف محرج من طرف أحد المرافقين للاعب مشهور وسمه بأنك شيخ كبير، ولقد لقي هذه التصرف استهجان الكثير من الجزائريين، لأن من عاداتنا ومن تربيتنا الدينية أننا في مجتمع يحترم المسنين ويقدّرهم ويكنّ لهم كل الود والتبجيل والتقدير والاحترام.
إن الشيخوخة مرحلة من مراحل العمر، وحلقة من حلقات التاريخ وجزء لا يتجزأ من وجود كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية، فسنة الله في خلقه أن يأتي الجيل بعد الجيل على امتداد عمر البشرية المديد، فيقدم الإنسان في حياته التضحيات، وقد يتعرض لمختلف ألوان الفاقة والحاجة، أو فتنة الغنى والثراء، أو آلام المرض والعجز، خاصة إذا رُدّ إلى أرذل العمر. وليس من الوفاء للمسنين من الأجيال السابقة أن يقلل من شأنهم بل من انتقاصهم أو عدم تقديرهم، بل إن من الواجب رعايتهم واحترامهم، عملا بمبادئ ديننا الحنيف الذي حفظ لكبار السن مكانتهم، وقدّر ذوي الشيبة في الإسلام، ودعا إلى إكرامهم وحمايتهم.
إن الذي ينظر إلى سنن الله الكونية يجد أن الشيخوخة طور زمني حتمي في دورة حياة كل مخلوق، أو دورة خلق كل موجود، فالشيخوخة من فطرة الخالق في هذا الكون، من أول الخلية الحيّة التي لا ترى إلا بالمجهر إلى خلق المجرة الهائلة في الفضاء الكوني... كل شيء في الكون يبدأ خلقه بطور الطفولية وينتهي إلى طور الشيخوخة. وديننا الإسلامي دين الرحمة والمحبة، الألفة والمودة، ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم إنما أرسل رحمة للعالمين، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. ومن التشريعات والأحكام التي جاء بها دين الإسلام النظرة بعين الإجلال والتقدير لكبار السن، وذلك باحترامهم وتوقيرهم وإعطائهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، بل إن إجلال المسن في الإسلام من إجلال الله جل جلاله، قال صلى الله عليه وسلم: ”إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم”. فالمسنون شريحة من نسيج المجتمع المسلم، لا يسوغ أو يليق إهمالها أو تهميش دورها في القيادة والريادة، فهم ممن عرفوا الأيام وقارعوا الخطوب، وعاشوا تقلبات الأحوال، وصارعوا الأهوال، فأصابوا الحكمة ونفعتهم الخبرة، هم أشجار الوقار، ومنابع الأخبار، لا يطيش سهمهم، ولا يسقط رأيهم، جاء في الأثر: ”الخير مع أكابركم”، وجاء: ”البركة مع أكابركم”.
والإسلام دين إنساني يحترم الإنسان ويصون كرامته كبيرا وصغيرا، والمسلم مطالب بأن يلتزم بالآداب الإسلامية والإنسانية مع أقاربه وجيرانه والناس أجمعين مثلما يلتزم بها مع والديه، وعليه أن يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويعود المريض، ويواسي المنكوب، ويعزي المصاب. والرسول عليه الصلاة والسلام يحث على التراحم والتعاطف بين الناس كما في قوله: ”يقول الله تعالى: أنا الرحمن الرحيم، وقد شققت للرحم اسما من اسمي”.
وقد أحاط الإسلام الشيخ المسن بوافر العناية وبمزيد من التكريم والاحترام، وجعل ذلك لونا من ألوان العبادة التى يثيب الله تعالى بها عباده المؤمنين، وفي القرآن الكريم آيات تشير إلى وجوب تكريم الكبار المسنين وضرورة العطف عليهم وحسن التعامل معهم. إن اعتبارات عديدة دعا فيها القرآن الكريم إلى منح الشيخ المسن رعاية خاصة ومعاملة حسنة، فأشار القرآن إلى أن المشيب ضعف يلحق الإنسان بعد قوة الشباب وحيوية الفتوة، قال تعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}.
وإن الاهتمام بالمسنين صحيا واقتصاديا واجتماعيا وترويحيا وأخلاقيا يدخل ضمن أبواب التكافل الاجتماعي في الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: ”ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا”. وإن رحمتك بالمسنين شكر لما أنعم الله عليك من فتوة وقوة، وهو ادخار لرحمة تحتاجها في المستقبل، وسيقيّض الله لك من يرحمك كما رحمتَ غيرك، وسيبارك لك الله فيما أعطاك من منح، فالرحمة منك تجرّ إلى رحمة أكبر منها جزاء من عند الله الرحمن الرحيم، ولذا ينبغي أن يتحوّل فعل الأمر ”وقّروا كبارَكم” إلى واجب وفريضة ومسؤولية على كل مسلم شابا كان أو فتاة القيام بها، حتى ينعم المسنون الذين هم بأمسّ الحاجة إلى اللطف والعناية والرعاية بالإحساس بالرحمة.