نجحت الجزائر مجددا في الدفاع عن القانون الدولي، وأعادت إلى مجلس الأمن توازنه في ملف حاولت أطراف عديدة تحويله إلى صفقة سياسية، حيث ظلت الجزائر ثابتة على موقفها المبدئي "لا سلام دون عدل ولا عدل دون حرية تقرير المصير".
استعادت الجزائر مكانتها كفاعل محوري في توجيه مخرجات مجلس الأمن نحو احترام الشرعية الدولية، بعد أن نجحت في إحباط محاولة كانت تستهدف تقليص عهدة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) إلى ثلاثة أشهر فقط، وهو مقترح كان من شأنه تكريس أسبقية المشروع المغربي للحكم الذاتي وإلغاء فكرة الاستفتاء نهائيا.
وتشير مصادر دبلوماسية، إلى أن الجزائر تحركت بسرعة وبحزم بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ووزير الخارجية، أحمد عطاف، لتعيد النقاش داخل مجلس الأمن إلى مساره الأصلي، أي حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومبدأ تصفية الاستعمار.
وبفضل تحركات مكثفة واتصالات رفيعة بين الجزائر وعواصم القرار في واشنطن وباريس وموسكو، تمكنت الدبلوماسية الجزائرية من تعديل مسودة القرار الأمريكي، وإعادة إدراج التزامات واضحة تؤكد على الطبيعة الدولية للنزاع، وعلى الدور المركزي لبعثة المينورسو التي جرى تجديد عهدتها لعام كامل، بعد أن كانت مهددة بالإلغاء أو التحجيم.
القرار الجديد الذي صوّت عليه أعضاء مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي، كرس مقاربة تقوم على حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين، ما يعني من الناحية القانونية والسياسية سقوط فرضية الحكم الذاتي كخيار وحيد، وهو ما أكده مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون العربية والإفريقية، في تصريحات لقناة "فرانس 24" الإخبارية الفرنسية.
إذ قال بولس، إن "قرار مجلس الأمن لم يمنح أي حصرية لمشروع الحكم الذاتي المغربي، بل ترك الباب مفتوحا أمام مبادرات وأفكار أخرى يمكن أن تقدمها الأطراف المعنية بالنزاع"، مشيرا إلى أن "بعثة المينورسو أُنشئت أصلا لتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وأن تفاصيل هذا الخيار تبقى رهن التفاهم بين المعنيين مباشرة".
وأضاف المسؤول الأمريكي، أن "السبيل الوحيد لإنهاء النزاع هو التوافق بين الطرفين المعنيين مباشرة، أي جبهة البوليساريو والمغرب"، مشيدا بموقف جبهة البوليساريو من القرار الأممي الذي وصفه بـ"الواقعي والمتزن رغم التحفظات". كما شدد على أن "الإشكال الذي حال دون تصويت الجزائر لصالح القرار لم يكن في مضمونه، بل في مقدمته التي تضمنت بعض الصياغات الإشكالية".
وحسب مسعد بولس، فإن الجزائر لعبت "دورا محوريا في تصحيح النص النهائي للقرار وضمان الحفاظ على جوهره الأممي"، مضيفا أن "الجهود الجزائرية ساهمت في تفادي تمرير صيغة كانت تهدد بإفراغ قضية الصحراء الغربية من بعدها القانوني الدولي"، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية أحمد عطاف في مقابلته مع قناة الجزائر الدولية "al24news".
ويجمع مراقبون على أن ما حدث داخل مجلس الأمن لم يكن مجرد نقاش تقني حول تمديد عهدة بعثة أممية، بل مواجهة دبلوماسية بين رؤيتين، الأولى تسعى إلى إفراغ الملف من مضمونه التحرري، والثانية، والتي تقودها الجزائر، تصر على أن الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار غير مكتملة، لا تحل إلا بتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره بحرية تحت إشراف الأمم المتحدة.
لقد أثبتت الجزائر، من خلال هذا التحرك، أنها ليست مجرد طرف مراقب، بل ضامن للتوازنات داخل المنظمة الأممية، وصوت ثابت في الدفاع عن العدالة والشرعية الدولية. فحين حاول البعض تمرير قرار يقبر فكرة الاستفتاء، كانت الجزائر هي التي أعادت النقاش إلى جوهره القانوني، مذكرة بأن "الصمت في مثل هذه اللحظات يعادل التواطؤ".
وبينما تواصل الرباط الترويج لما تسميه "الحكم الذاتي الموسع"، جاء القرار الأممي 2797 ليضع النقاط على الحروف، وليؤكد ألا شرعية لأي حل لا يقوم على أساس تقرير المصير، ولا مستقبل لأي مبادرة تتجاهل إرادة الشعب الصحراوي وممثله الشرعي جبهة البوليساريو.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال