العالم

مجازر "مؤسسة غزة الإنسانية" ومسؤولية ترامب

المشكل في المؤسسة أنها لا تسيس المساعدات فقط، بل تحولت إلى مصيدة لقتل المدنيين في غزة.

  • 362
  • 2:43 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

إن التاريخ سيسجل في صفحاته أن حوالي 2 مليون نسمة محاصرين في مساحة جغرافية لا تتجاوز 365 كيلومترا يتعرضون لإبادة جماعية على الهواء مباشرة أمام أنظار العالم، على يد احتلال إسرائيلي مدعوم من طرف الولايات المتحدة ودول غربية وعربية وأمام صمت عربي وإسلامي مخز.

هذا هو المشهد العام للوضع في غزة منذ السابع أكتوبر 2023، مشهد ارتفع فيه، مع الوقت، منسوب البربرية الصهيونية وازدادت حدة الإبادة والجرائم التي يقترفها جيش الاحتلال الصهيوني، إذ توسعت دائرة استهداف المدنيين بأماكن اللجوء، سواء في المدارس أو مراكز الإيواء وحتى في الخيام والمستشفيات، وارتفعت معها حصيلة الشهداء بشكل جنوني، حيث تجاوزت خلال الأيام الأخيرة معدل المائة شهيد تقريبا يوميا.

والمثير في خريطة الشهداء خلال الشهرين الماضيين أن نسبا كبيرة منهم لقوا حتفهم خلال تجمعهم عند نقاط توزيع الغذاء التابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي منظمة أمريكية يقع مقرها في ديلاوير، أسست في فيفري 2025 لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة. وتنفذ الولايات المتحدة و"إسرائيل"، منذ 27 ماي الماضي، خطة لتوزيع مساعدات شحيحة ومحدودة عبر "مؤسسة غزة الإنسانية"، بعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وقد وجهت إليها انتقادات من جانب الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى، إذ اتهمت بتسييس توزيع المساعدات.

المشكل في المؤسسة أنها لا تسيس المساعدات فقط، بل تحولت إلى مصيدة لقتل المدنيين في غزة، حيث ينتظر الاحتلال الصهيوني تجمع المجوعين أمام المؤسسة ليشرع في استهدافهم.

وقد أدت هذه الخطة، وفق آخر إحصائيات وزارة الصحة في غزة حتى ظهر الخميس، إلى استشهاد 652 فلسطينيا وإصابة 4537 آخرين، نتيجة استهداف المدنيين المتجمعين حول نقاط الإغاثة من خلال سلسلة من المجازر اليومية التي بات يطلق عليها "مصائد الموت".

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الوضع هو ما مسؤولية الولايات المتحدة فيما يجري أمام نقاط توزيع المساعدات؟ من المفروض مادامت المؤسسة أمريكية لماذا لا توفر الحماية لمن يقصدونها؟ ولماذا لم تتحرك إدارة ترامب لوضع حد للسلوك الصهيوني السادي، لأنها تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية مادات المؤسسة مرتبطة بها، لأن الصمت الأمريكي عما يحصل  أمام نقاط توزيع المؤسسة يجعل واشنطن في موقع شبهة ويجعلها أيضا شريكة في عملية تقتيل المجوعين؟

هذه التساؤلات والفرضيات ربما يجيب عنها جوزيب بوريل، الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، الذي أكد أن "مرتزقة أمريكيين" قتلوا 550 فلسطينيا في غزة خلال شهر واحد، متهما "مجلس أوروبا" و"المفوضية الأوروبية" بالتزام الصمت إزاء هذه الأحداث.

واتهمت منظمة العفو الدولية "مؤسسة غزة الإنسانية" بالعمل كـ"أداة إضافية في حملة الإبادة التي تشنها إسرائيل".

وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة للمنظمة، إن "المجتمع الدولي لم يفشل في وقف حملة الإبادة فقط، وإنما سمح لإسرائيل باكتشاف طرق جديدة لتقويض حياة الفلسطينيين في غزة وسحق كرامتهم الإنسانية".

إن الولايات المتحدة اليوم مسؤولة قبل الكيان الصهيوني حول ما يجري أمام نقاط توزيع المساعدات، لأن قتل مدنيين ذنبهم الوحيد أنهم مجوعون بسبب الحصار أمام مؤسسة أمريكية يجعلها في مرمى الاتهامات بالمشاركة في هذه المجازر ويعزز الشكوك حول مشاريع واشنطن "الإنسانية"، سواء من خلال الميناء البحري العائم ووصولا إلى "مؤسسة غزة الإنسانية"، كلها مشاريع لم تحل أزمة الغذاء بل ساهمت في دعم الاحتلال وحربه الفاشية على غزة.

الولايات المتحدة اليوم تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة أمام سكان فلسطين والتاريخ بوقف استهداف المجوعين ووقف هذه الحرب، لأن عدوان إسرائيل على إيران وطريقة إيقاف الحرب أظهرا حجم تأثير واشنطن على الكيان، وبحكم أن ترامب يقدم نفسه كأقوى رجل في العالم ويسارع لحل الأزمات عبر العالم، فإنه مطالب اليوم بأن يقوم بنفس الدور وبأقصى سرعة في غزة ويوقف إبادة الشعب الفلسطيني الذي خذله الجميع وتآمر عليه أقرب المقربين.