العالم

"ريفيرا الشرق الأوسط" والصحراء الغربية وحلم الكولونيالية

الكل يدرك ويعلم ويتابع الدور المحوري للولايات المتحدة الأمريكية في حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الصهيوني على الفلسطينيين في غزة.

  • 890
  • 3:03 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

تتشارك كل من فلسطين والصحراء الغربية صفة أراض أو دول محتلة، الأولى تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي والثانية تحت الاحتلال المغربي، وتلعب القوتان المحتلتان بالإضافة إلى الولايات المتحدة أدوارا تكاملية في استدامة حالة الاحتلال وإطالة عمره، الاتفاقية الثلاثية بين الأطراف الثلاثة التي اعترفت على أساسه واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المزعومة وتطبيع الأخير علاقاته مع الكيان الصهيوني أكبر دليل على ذلك.

الكل يدرك ويعلم ويتابع الدور المحوري للولايات المتحدة الأمريكية في حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الصهيوني على الفلسطينيين في غزة، وأيضا الدور الكبير والخدمات الكبيرة التي يقدمها المغرب للكياني الصهيوني لمواصلة هذه الإبادة سواء من خلال تدريب أفراد الجيش الإسرائيلي على أرضه أو فتح موانئه لنقل الأسلحة إلى الكيان المستعملة في الإبادة بغزة. ومعلوم أيضا الدور الذي تقوم به دولة الاحتلال من خلال لوبياتها لصالح احتلال المغرب للصحراء الغربية في مراكز القرار الدولية.

هذه التفاصيل يمكن أن تعطينا صورة أوضح حول خلفيات الدعوات إلى نقل سكان غزة إلى الصحراء الغربية، وهو ما ذهب إليه كاتب "إسرائيلي" في مقال على جريدة "جيروزاليم بوست" العبرية، في نسخ لنفس الأفكار التي وردت في مقال رأي نشرته جريدة واشنطن بوست السنة الماضية. فتحت عنوان "الصحراء الغربية الوطن المستقبلي لسكان غزة المحرومين" كتب الصحفي الإسرائيلي رفائيل كاسترو قائلا "الوضع في غزة غير مُستدام، ما يجعل إجلاء سكان غزة ضرورة إنسانية وأمنية. إن إعادة توطين سكان غزة في الصحراء الغربية -وهي منطقة خاضعة لسيطرة المغرب ومتخلفة من حيث النمو لكنها غنية بالموارد- هي مفتاح حل واقعي ومستدام للأزمة الراهنة.

ويشير الكاتب الصهيوني إلى أن الصحراء الغربية منطقة صحراوية شاسعة، قليلة السكان، تقع على طول المحيط الأطلسي، وتحدها المغرب والجزائر وموريتانيا. مدنها: العيون، الداخلة، السمارة، وبوجدور - صغيرة نسبيًا، ولا يتجاوز عدد سكانها 600 ألف نسمة. ويضيف بأن المنطقة غنية بالفوسفات، مصايد الأسماك، إمكانات الطاقة الشمسية، وأراضٍ قادرة، بفضل التكنولوجيا الحديثة، على دعم الزراعة والسياحة. ومع ذلك، لا تزال الصحراء الغربية اليوم متخلفة من ناحية النمو وقليلة السكان ومحصورة في نزاع دولي بين المغرب وجبهة البوليساريو.

في المقابل يقول الكاتب بأن سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة، يحتاجون بشدة إلى مكان لإعادة بناء حياتهم، فحسبه "الصحراء الغربية بحاجة إلى سكان واستثمار وتنمية. إن ربط هذين الواقعين يمكن أن يرسي أسس حل دائم يُخفف الضغوط في الشرق الأوسط، ويُعزز دور المغرب كقوة استقرار في شمال إفريقيا"، ويعدد رفائيل كاسترو الفوائد والمزايا الأمنية والاقتصادية والسكانية لتهجير الفلسطينيين إلى الصحراء الغربية.

دعوة الكاتب الإسرائيلي تتزامن مع اشتداد الإبادة في غزة، وتناسل الأفكار حول الوجهة التي يراد تهجير الفلسطينيين إليها، وتظهر الصحراء الغربية من بين الخيارات المطروحة إسرائيليا وحتما أمريكيا، وربما هذا ما يفسر توالي خرجات مسعد بولس كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون إفريقيا، الذي أكد أكثر من مرة وآخرها خلال لقاء جمعه مع المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية ستيفان دي ميستورا، على دعم واشنطن لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية المزعومة.

وقال بولس في تدوينة على منصة "إكس": "أكدت مجدداً على الموقف الواضح للولايات المتحدة: الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد القابل للتطبيق للصحراء الغربية". وأضاف أن الجانبين ناقشا أيضا "الدور الاستقراري لبعثة المينورسو وسبل تحقيق السلام الإقليمي"، مشيرا إلى استعداده "لمواصلة التنسيق قبل مناقشات مجلس الأمن الوشيكة".

تهجير سكان غزة قسريا إلى الصحراء الغربية تبدو صفقة مربحة بالنسبة للأطراف الثلاثة، المغرب والولايات المتحدة و"إسرائيل"، فمن جهة يستفيد المغرب من تغيير التركيبة الديموغرافية للصحراء الغربية وتثبيت احتلاله للإقليم، فلا يهم المغرب أن يسكن الصحراء الغربية مغاربة أو فلسطينيون أو حتى إسرائيليين، فسبق وتقاسم الإقليم مع موريتانيا سنة 1975، لأن ما يهمه أكثر هو مواصلته القيام بدوره الوظيفي في تلغيم المنطقة باستعماره للصحراء الغربية ومواصلة نهب خيرات الصحراويين.

ومن جهة ثانية، يسمح لكل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بالاستفادة من أرض غزة اقتصاديا وإستراتيجيا، خاصة وأن الرئيس الأمريكي لا يزال متمسكا بفكرة "إقامة" ريفيرا الشرق الأوسط" على أرض غزة بعد إخلاء القطاع بالكامل من سكانه تمهيدا لإعادة تشكيله عمرانيا واقتصاديا وتحويل القطاع إلى وجهة سياحية عالمية".