الوطن

الجزائر خارج لعبة المحاور والتحالفات

منصات إعلامية مغربية، مدعومة بدوائر إقليمية متحالفة، تروج لمزاعم بوجود تحالف استراتيجي بين الجزائر وإيران.

  • 5846
  • 2:36 دقيقة
الصورة: وكالات
الصورة: وكالات

في أحدث حلقة من مسلسل الأكاذيب، روّجت منصات إعلامية مغربية، مدعومة بدوائر إقليمية متحالفة، مزاعم بوجود تحالف استراتيجي بين الجزائر وإيران، واستندت إلى مواقف الجزائر من الاعتداءات الإسرائيلية والضربات الأمريكية ضد إيران، لتصويرها كدولة خارجة عن الإجماع العربي، في حين أن هذه الادعاءات لا تصمد أمام المعطيات الواقعية والسياسية. كما أن العلاقات بين البلدين لا تكتسي ذلك البعد الاستراتيجي، فضلا عن ضعف التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، مما ينسف ادعاءات التحالف المزعوم من أساسها.

جاءت الحملة المغربية الجديدة في وقت حساس تشهد فيه المنطقة تصاعدا في التوترات الجيوسياسية، وتهدف، وفق مراقبين، إلى التشويش على المواقف المبدئية والثابتة للجزائر، لاسيما تجاه القضية الفلسطينية وقضايا تقرير المصير وفي مقدمتها قضية الصحراء الغربية.

وقد لاقت هذه المزاعم رفضا واسعا من قبل النخب العربية والدولية المستنيرة، التي تدرك جيدا أن الدبلوماسية الجزائرية تقوم على أسس القانون الدولي ومبادئ عدم الانحياز والاحترام المتبادل، حيث أدرك الجميع أن المخزن يسعى جاهدا ليركب القطار دون اقتطاع التذكرة، خدمة لأجندات إسرائيلية، أملا في طيّ ملف النزاع في الصحراء الغربية قبل نهاية العام الجاري.

ومنذ استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، فعليا سنة 2003، لم توقّع الجزائر على أي اتفاق تعاون عسكري أو أمني مع إيران، كما لم تشهد علاقاتهما زيارات رسمية ذات طابع أمني، ما يجعل من الحديث عن وجود تعاون في مجال التكوين بين الجانبين مجرد دعاية مضللة.

هذه الإشاعة التي تروّج لها الرباط، أعادت بعث إشاعة سابقة ظلت محل تداول في وسائل الإعلام المغربية لسنوات، وتجد صداها في ظل الاصطفافات الجديدة في المنطقة ومحاولات المغرب الاستثمار في تحالفاته مع قوى، كإسرائيل وفرنسا لتبرير احتلاله للصحراء الغربية، عبر شيطنة كل من يدعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وذلك عبر زعم وجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني في مخيمات اللاجئين الصحراويين في مدينة تندوف في الجنوب الغربي للجزائر.

الأخطر في الحملة المغربية الأخيرة هو استغلال منصات التواصل الاجتماعي وبعض الأصوات الجزائرية المغتربة في فرنسا تحديدا، لإعادة تدوير هذه المزاعم رغم افتقادها لأي سند سياسي أو قانوني.

وتستهدف هذه الحملة المساس بصورة الجزائر في محيطها العربي والإسلامي، من خلال اتهامها بالانحياز لإيران، في حين أن بيانات الجزائر الرسمية تظهر توازنا واضحا في مواقفها، من بينها إدانة الاعتداءات الإيرانية على قطر، كما أدانت العدوان الإسرائيلي والأمريكي على إيران انسجاما مع موقفها الثابت ضد خرق سيادة الدول واحترام القانون الدولي.

وفي السياق ذاته، لم يسلم التقارب الجزائري-السوري، هو الآخر، من حملات التشويه المغربية. فبعد زيارة وزير الخارجية، أحمد عطاف، إلى دمشق التي تكللت باتفاقات في مجالات الطاقة وإعادة الإعمار، روّجت وسائل إعلام مغربية مزاعم عن وجود جنود جزائريين معتقلين في سوريا، وهي رواية واهية تعكس إصرار الرباط على تشويه كل تحرك جزائري على الساحة العربية.

ومن الواضح أن استراتيجية المغرب تقوم على افتعال الأزمات الإعلامية وصناعة الأكاذيب الدبلوماسية، بهدف صرف الأنظار عن قضايا جوهرية تتعلق بخرق القانون الدولي في الصحراء الغربية وعن تحالفاته المعلنة مع قوى إقليمية لا تلتقي مع الإجماع العربي في قضايا محورية.

في المقابل تواصل الجزائر التمسك بنهجها السيادي الذي يضع القانون الدولي في صلب تحركاتها، بعيدا عن منطق المحاور أو الاستقطاب.

إن محاولات التشويه، مهما بلغت، لن تغيّر من الحقائق ولا من ثبات المواقف الجزائرية. فالجزائر، كما أكدّت مرارا، ليست جزءا من لعبة المحاور، بل فاعل مستقل، متمسك بمبادئه ومنفتح على التعاون البنّاء مع جميع الأطراف ما لم يتعارض ذلك مع ثوابته الوطنية ومبادئه الدولية.