الوطن

الجزائر فرضت بصمتها في مجلس الأمن

عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن تنتهي في 31 ديسمبر المقبل.

  • 13014
  • 4:06 دقيقة
الصورة: ح. م
الصورة: ح. م

تولت الجزائر رئاسة مجلس الأمن الدولي في واحدة من أكثر الفترات الدولية اضطرابا، لتجد نفسها في قلب عاصفة دبلوماسية تهز النظام العالمي، بفعل أزمات عالمية وإقليمية متزامنة، لكنها رغم ذلك أوضحت منذ بداية عهدتها، أنها لن تكتفي بمقعد بروتوكولي، بل تسعى لتحويل عهدتها إلى منصة لإعادة توجيه البوصلة الأممية نحو قضايا مغيّبة وحل القضايا الشائكة وفي مقدمتها ما يحدث في الشرق الأوسط والساحل الإفريقي.

وكانت أولى جبهات الاختبار المجزرة المستمرة في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والتي فرضت على مجلس الأمن امتحانا أخلاقيا وقانونيا غير مسبوق. وفي هذا السياق، تبنّت الجزائر موقفا مبدئيا مدعوما بإجماع شعبي وميراث ثوري، حيث طالب المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، في كل فرصة بوقف فوري لإطلاق النار، محذّرا من أن "التقاعس الدولي ليس فقط جريمة في حق الفلسطينيين، بل وصمة عار على جبين البشرية".

ولم تكتف الجزائر بالإدانة، بل دفعت بعدة مشاريع تطالب بالحماية الدولية للشعب الفلسطيني، مع التركيز على إرسال لجان تحقيق مستقلة في جرائم الحرب، في ظل إخفاق المجلس المتكرر في إصدار موقف ملزم بوقف إطلاق النار أو فتح المعابر لإدخال المساعدات.

بموازاة ذلك، حمل التصعيد الإيراني–الإسرائيلي طابعا حساسا، وجاء موقف الجزائر متسقا مع القانون الدولي، داعية إلى مساءلة الاحتلال ورافضة الاعتداء على السيادة والبعثات الدبلوماسية، واصفة ذلك بأنه "خرق واضح للسلم والأمن الدوليين"، كما أدانت الجزائر بشدة العنوان الإسرائيلي الأخير على إيران واعتبرته "خرقا صارخا للسيادة الدولية".

ودعت وزارة الخارجية المجتمع الدولي إلى التصدي للتصعيد والحفاظ على استقرار المنطقة وفي الملف الأوكراني، حافظت الجزائر على موقف متوازن، رافضة الانجرار وراء الاستقطاب ومشددة على احترام سيادة الدول ووقف التصعيد. وفي السودان أظهرت الجزائر حرصا على مقاربة واقعية تمنح الأولوية للحل الإفريقي - الإفريقي، دون إقصاء للأمم المتحدة. ففي جلسة ماي 2025 شدد بن جامع على أن "ترك السودان لمصيره مع تصاعد المجاعة والنزوح يمثل تخلّيا عن جوهر ميثاق الأمم المتحدة".

وفي سعيها لتفعيل رئاستها، تقدّمت الجزائر بعدة مبادرات داخل مجلس الأمن، من بينها مشروع قرار شامل لوقف إطلاق النار في غزة، يشمل حيّز رفح ويدعو لفتح الممرات الإنسانية وتحرير الرهائن استنادا إلى حكم محكمة العدل الدولية ودعوة لتفعيل التدابير التحفظية الصادرة عن محكمة العدل وتنفيذها فورًا لحماية المدنيين الفلسطينيين.

كما تقدمت بلائحة 23/34 بشأن وقف نشاط المستوطنات غير الشرعية والتنفيذ الفوري لقرارات سابقة صادرة عن مجلس الأمن وطرحت استراتيجية لإصلاح آليات اتخاذ القرار، تشمل مراجعة صلاحيات "حاملي القلم" تعزيزا للشفافية والمساءلة.

مبادرة تعاون إفريقي لمكافحة الإرهاب تستند إلى التجربة الجزائرية بصفتها منسق الاتحاد الإفريقي في هذا المجال، إضافة إلى امتناع الجزائر عن التصويت على القرار 2768 بشأن البحر الأحمر، مبررة ذلك بالخشية من توظيفه كغطاء لشن ضربات تمس بسيادة اليمن ورفضها للتأويلات المفرطة لمبدأ الدفاع عن النفس.

من خلال هذه المقاربات المتنوعة، تبدو رئاسة الجزائر لمجلس الأمن نموذجا عمليا لكيفية تحويل المبادئ إلى أدوات تنفيذية. فالرؤية الجزائرية لا تنطلق من موقع أيديولوجي ضيق، بل من إدراك معقّد للتوازنات الدولية وحرص على تعزيز الشرعية الأممية عبر التعددية والعمل المؤسساتي هي رئاسة تجسّد الدبلوماسية كفعل مسؤول وتعيد الاعتبار لأخلاقيات السياسة الدولية في زمن تتراجع فيه معايير الإنصاف لصالح منطق القوة.

منصة للتأثير

قال النائب بالمجلس الشعبي الوطني، عبد السلام بشاغة، في تصريح لـ"الخبر"، أن الجزائر برزت خلال عضوية في مجلس الأمن الدولي خلال السنتين الماضيتين (2024–2025) كعضو فاعل في المجلس عبر مجموعة من المبادرات والدور القيادي، خاصة ما تعلق بالقضايا العربيّة والأفريقية.

وأوضح العضو السابق في لجنة الشؤون الخارجية، أن الجزائر أكدت رغم التحديات الجيوسياسية والحساسيات، حضورها الدبلوماسي الاحترافي، وحولت عضويتها إلى منصة تأثير أقوى في البيت الدولي، خاصة وأن عهدتها عرفت أحداثا دولية جسيمة الخطورة بداية من العدوان المتواصل على غزة وتواصل الحرب الروسية الأوكرانية والوضع الداخلي في السودان وأيضا الاضطرابات الداخلية في دول الساحل وغيرها من القضايا الدولية.

وأكد المتحدث أن الجزائر أيضا كانت صوت الجنوب العالي في عالم بدأ يفقد اتزانه في ظل تآكل سلطة القانون الدولي والمواثيق الدولية وانحسارها لحساب منطق القوة الأهوج.

وتابع بشاغة قائلا: "رغم هذه الفترة القصيرة، إلا أن دبلوماسيتنا تركت بصمات واضحة من خلال لعبها دورا محوريا في تسليط الضوء على الأزمات الإنسانية (فلسطين، الصحراء، سوريا، السودان) وأيضا قضايا مكافحة الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات عبر العالم، مع تبني دعاوى ومشاريع قرارات واجتماعات عاجلة تم تبني العديد منها".

وختم مشددا أن رئاستها للمجلس في جانفي المنصرم، كانت مثالا آخر على الأداء القوي والاحترافي للدبلوماسية الجزائرية التي أعاد العالم اكتشافها مرة أخرى.

فرصة محورية

وبدوره، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد الرزاق صاغور، بأن تزامن عهدة الجزائر في مجلس الأمن مع تفاقم الأزمات والنزاعات الأمنية والسياسية إقليميا ودوليًا، قد شكّل فرصة محورية لتعزيز حضورها الدبلوماسي، حيث برزت كمدافع قوي وفاعل عن القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

وأكد أن الجزائر حرصت على التنديد بالممارسات العنصرية والانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل من طرف قوات الاحتلال، متمسكة بمبادئ الشرعية الدولية والعدالة الإنسانية.

وفيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية الإيرانية، أشار صاغور إلى أن هذا التصعيد يكشف مرة أخرى عن الطبيعة العدوانية للكيان الصهيوني، الذي لا يتردد في انتهاك سيادة الدول، مستفيدًا من دعم غير مشروط من قبل بعض القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

وختم معتبرا أن هذا الغطاء السياسي والعسكري، هو ما يجعل دولة الكيان تمضي في سياساتها العدوانية دون رادع أو محاسبة، في تحد صارخ للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة.