الوطن

"الجزائر فريدة في جرأتها الثورية"

ورد هذا في مذكرات وزير الخارجية التونسي الراحل محمد المصمودي.

  • 332
  • 3:32 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

نشر الدبلوماسي التونسي السابق محمد بشير قيلوز كتابا مهما تتبع فيه مسار وزير الخارجية التونسي الراحل محمد المصمودي، بعنوان "المصمودي الدبلوماسي الشغوف.. رجل سياسي لامع"، وقلب في أوراقه ومواقفه.

تضمن الكتاب شهادات ومواقف مهمة للوزير المصمودي، أحد أبرز المسؤولين التونسيين، الذي كان يكن تقديرا خاصا للجزائر ونضالها الثوري ومواقفها التحررية ويشيد ببعض الشخصيات الجزائرية التي عاصرها في مساره الدبلوماسي، على رأسهم الرئيس الراحل هواري بومدين.

تتضمن المذكرات صفحات كثيرة تحدث فيها الوزير التونسي المصمودي بكثير من الاحترام عن الجزائر. بالنسبة للكاتب قيلوز فإن المصمودي "ظل متجها نحو الجزائر" ويعتبرها "فرصة المغرب العربي الموحد"، وكتب  بشأن ذلك "يتحدث العديد من الشباب عن هذا الموضوع بأسلوب غنائي. بالنسبة لهم الجزائر طليعة النهضة العربية، إنها صحوة الإسلام المحدود، إنها الإمكانات الهائلة للإيمان والطاقة التي يتم وضعها موضع التنفيذ". ويشيد المصمودي بالعنفوان الثوري للجزائر قائلا: "قادت الجزائر النضال على جميع الجبهات: في آسيا ضد حرب فيتنام وفي إفريقيا ضد الاستعمار البرتغالي، وعنصرية بريتوريا وسالزبوري، وفي العالم العربي ضد إسرائيل، وفي دول عدم الانحياز، وفي العالم الثالث، وفي الأمم المتحدة، وفي الاجتماعات الدولية، قام الجزائريون بتنشيط وتطوير النضال من أجل الاستقلال السياسي والاقتصادي".

ويلفت وزير الخارجية التونسي الراحل إلى انتباه سياسي مبكر للجزائر تجاه العمق الإفريقي، كان يمكن أن يشكل داعما للقضايا العربية، وكتب يقول: "منذ عام 1973، ظل بومدين يوضح لإخوانه العرب أن الوقت قد حان لكي يجتمعوا حول مشاريع معينة ويجعلوا تضامنهم فعالا ويمدوا يد العون لإفريقيا لمساعدتها على التنمية وبناء مستقبل مشترك معها. ولكن الدول العربية المنتجة للنفط لا تتفق دائما مع وجهة نظر الجزائر، ونادرا ما تتبعها في جرأتها الثورية الفريدة". ويضيف: "لم يحمل الجزائريون أحدا المسؤولية وأدركوا أن النهضة العربية مهمة هامة يجب أن تترك لمبادرة الدول وحدها، ويجب أن تشارك فيها الجماهير الشعبية".

وقد خصص الكاتب صفحات لحديث المصمودي عن بعض الشخصيات التي تعامل معها في مساره السياسي كمسؤول في الحكومة التونسية وكوزير للخارجية، إذ يكن فيها تقديرا خاصا للرئيس الراحل هواري  بومدين، فمن بين كل الزعماء التاريخيين الذين قاتلوا الجزائر كان المصمودي مليئا بالثناء عندما يتعلق الأمر ببومدين وعبد العزيز بوتفليقة خاصة، "أُكنّ احتراما كبيرا لبومدين، وأُكنُّ لبوتفليقة صداقة صادقة وحقيقية. أعتبر الرجلين، كل بطريقته الخاصة، خيرَ مُمثلي النهضة العربية الإسلامية". ويضيف: "لا يسعني إلا أن أقول إن سياسة بومدين وأصدقاءه تقوم على الكرامة، وهي كرامة لا يبشرون بها، بل يمارسونها. يعتقدون أنهم يخدمون فكرة معينة عن الإنسان العربي بشكل أفضل من خلال تطهير الأرض ونشر المعرفة والعدالة في كل مكان، بدلاً من تمجيد تاريخ الحرب الماضي أو الانفعال بالصراع الطبقي الدائم".

يرسم المصمودي صورة للرئيس هواري بومدين، تعكس تقديره للرجل وشخصيته، كتب يقول: "كما في مشاريعه الثورية الكبرى، صورة مستقيمة في برنوس، مشية حازمة". ويؤكد المصمودي أن بومدين كان منذ وجوده في غار دماء بتونس، "منشغلا بقضايا جسيمة، في الواقع كان بومدين يعد العدة في جيش التحرير المتمركز في تونس، حتى تتمكن الدولة الجزائرية من الفوز في اللعبة عندما يحين الوقت، وكان مقتنعا بأن الجيش سوف يلعب بعد ذلك الدور الحاسم والأصعب، وإن هذا التنبؤ لن يتحقق فحسب، بل إن العالم أجمع سوف يعترف به، لولا هذا الجيش الوطني الشعبي وانضباطه لكانت الجزائر قد انزلقت في فوضى الانقسامات، إن فضل بومدين يكمن تحديدا في أنه أدرك هذا في الوقت المناسب وتصرف في اللحظة المناسبة".

يشير الكتاب إلى انحياز المصمودي إلى مواقف الجزائر بشأن قضية الصحراء الغربية، وبينما كان التوجه بين الجزائر والمغرب يتجه نحو المناوشات لم يلتزم المصمودي بالحياد في خضم الأزمة المتعلقة بالصحراء الغربية، كان المصمودي يميل إلى الموقف الجزائري، إذ كان مطمئنا إلى فكرة مفادها أن "المغرب لن ينجح في حل قضية الصحراء الغربية ولا في القيام بعمل مفيد في المغرب العربي من خلال مهاجمة الجزائر وشعبها وثورتها".

ويرى المصمودي أن "قضية الصحراء ستظل، ما دامت لم تحل، واحدة من أخطر التهديدات للسلام في المغرب العربي" وأن "الصحراء الغربية والمشاكل المختلفة التي تطرحها لن تجد في الواقع حلها العادل إلا في إطار اتحاد إقليمي مرغوب فيه من القاعدة من قبل الشعب ومفضل من القمة من قبل الحكومات".

ظل المصمودي دبلوماسيا متحمسا ولامعا ورجلا مثقفا فخورا بأصوله العربية الإسلامية، انتهت مسيرته السياسية عندما أقيل  من منصبه في جانفي 1974، عقب توقيع اتفاقية الوحدة مع ليبيا، واعتزل الحياة السياسية بعد أن اعترض عليه بورڤيبة الذي هدد بسحب جنسيته التونسية إذا قبل عرض القذافي بتعيينه ممثلا لليبيا لدى الأمم المتحدة، حيث ذهب إلى المنفى في الإمارات العربية المتحدة ولم يعد إلى البلاد إلا في عهد بن علي. توفي الوزير محمد المصمودي في الثامن نوفمبر 2016 وتم دفنه في مسقط رأسه المهدية وسط تونس.