تقترب اللجنة البرلمانية المعنية بإعداد مقترح قانون تجريم الاستعمار من تجهيز وثيقتها، المقرر أن تتضمن مطلبا صريحا من الدولة الفرنسية الاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها القوات الاستعمارية خلال سنوات احتلال الجزائر الـ130.
وأشار عضو في اللجنة، فضل عدم الكشف عن هويته، إلى أن فريق العمل المشكل من 7 برلمانيين حقق تقدما في إعداد المقترح المقرر تقديمه قبل نهاية الدورة الحالية للبرلمان. وتابع: "أنجزنا حوالي 70 بالمائة من العمل المطلوب في الاجتماعات التي تتم مرة في الأسبوع على الأقل".
وفي هذا السياق أظهر تسجيل فيديو بث على شبكات التواصل الاجتماعي لأحد اجتماعات اللجنة جانبا من المشاورات والمداولات حول الأحكام المقرر أن تتضمن في التشريع الجديد.
وتوجت مباشرة الصياغة سلسلة من المشاورات واللقاءات وجلسات السماع التي أجرتها اللجنة مع خبراء ومؤرخين مختصين في القانون الدولي، كما شملت أعضاء في اللجنة الوطنية للذاكرة ووزير المجاهدين العيد ربيڤة.
وخلال الاجتماعات حرص أعضاء في اللجنة على الحصول على بيانات وأبحاث موثقة عن المجازر والانتهاكات التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي خلال ليل الاستعمار القائم، سواء سنوات الغزو والاحتلال أو خلال قمع الثورات الشعبية، مرورا بالجرائم التي ارتكبت في ماي 1945، حيث تم إعدام آلاف الجزائريين، غالبيتهم في ڤالمة وسطيف وخراطة، كانوا يتظاهرون للمطالبة بحقهم في تقرير مصيرهم لتضمينها في عرض الأسباب والترويج لعدالة المطالب، ليس على المستوى الداخلي فقط بل على مستوى فرنسا، حيث يلقى مطلب الاعتراف قبولا من فئة من الرأي العام والطبقة السياسية الفرنسية، ترى فيه خطوة رمزية للمضي في مساعي مصالحة الذاكرة المجمدة حاليا في ظل الأزمة متعددة الأوجه بين البلدين.
وقالت مصادر من اللجنة إن الحصول على هذه البيانات لم يكن بالأمر السهل، خصوصا في ظل عدم توفر البيانات وعدم القدرة على التنقل إلى بعض المناطق للاستدلال بها.
واعتمد أعضاء اللجنة على مختلف المبادرات النيابية السابقة لتجريم الاستعمار التي تم إجهاضها في المهد أو توقف مسارها التشريعي بعد اعتراض الحكومة (2001 و2010) عليها.
وأشارت مصادرنا إلى أنه تم الأخذ في الحسبان الإشكالات التي تثيرها اتفاقية إيفيان لـ1962، التي قد تشكل حجر عثرة في مطلب الاعتراف والاعتذار والتعويض.
ويستند المقترح، حسب تصريحات لأعضاء في اللجنة، إلى معطيات تاريخية موثقة تثبت حجم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي طيلة 132 سنة، من مجازر جماعية وتدمير ممنهج للهوية الجزائرية، إلى جانب التجارب النووية التي خلفت كوارث إنسانية وبيئية لاتزال آثارها قائمة حتى اليوم.
ويتضمن المقترح أيضا مواد قانونية صريحة تجرّم مختلف أشكال القمع والانتهاكات التي مارسها الاستعمار الفرنسي بهدف إلزام فرنسا بالاعتراف بمسؤوليتها التاريخية وتعويض الضحايا وعائلاتهم.
وحظيت مساعي المجلس الشعبي الوطني لتجريم الاستعمار بدعم صريح من مجلس الأمة، ما يعطى دفعا للمبادرة وإنضاج المسعى للخروج بوثيقة محل إجماع سياسي، حيث أكد عزوز ناصري، رئيس مجلس الأمة، في أول خطاب له، على مطلب تقديم الدولة الفرنسية الاعتذار، وطالب في هذا السياق من أسماهم أحـرار فرنـسا، من رسـميين وسياسيين وبرلمانيين ومؤرخين، بـ"الانخراط في هذا المسعى وعـدم جعلـه عـرضـة للنسيان أو التناسي أو الإنكار"، مشددا على "أن الحفاظ على الذاكرة التاريخية الوطنية والاقتداء بها منهجا وعملا وسلوكا يعتبر واجبا وطنيا".
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال