الوطن

"روتايو يخضع لحسابات سياسية"

وجّه انتقادات لاذعة لوزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو.

  • 3560
  • 2:41 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

عبّر المؤرخ الفرنسي، بنيامين ستورا، عن قلقه إزاء التوترات المتصاعدة بين الجزائر وفرنسا، ومخاوفه من انسداد مسار ملف الذاكرة. وانتقد في حوار مع مجلة "نوفيل أوبسرفاتور" الحسابات السياسية التي يتبعها وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، في تعامله مع الأزمة. لافتا أنها تتعارض مع التوجهات التاريخية الفرنسية نحو ملف الذاكرة.

ووجّه ستورا انتقادات لاذعة لوزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، الذي يواصل تبني موقف التصعيد مع الجزائر، وأكد ستورا أن مواقف روتايو ترتبط بحسابات سياسية داخلية، لتأكيد سلطته ونفوذه داخل الحكومة الفرنسية أو حتى منافسه مع وزارة الخارجية وكل ذلك يصبّ حسب المؤرخ في إطار الحسابات الانتخابية.

وقد كان المؤرخ الفرنسي والمختص الأول في العلاقات بين البلدين، ضيفا على قناة "فرانس كولتير"، ليلة الخميس الماضي. ولفت خلال اللقاء بقوله "روتايو يتشبّث بملف العلاقات الجزائرية الفرنسية بالرغم من الانتقادات التي تلقاها في أكثر من مرة على لسان زملائه في الحكومة، ولا سيما من الرئيس ماكرون ووزير الخارجية جون نويل بارو، فضلا عن شخصيات بارزة في المشهد السياسي الفرنسي، على غرار كل من رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق، دومينيك دو فيليبان وزعيم حزب "فرنسا الأبية"، جون لوك ميلونشون، ووجوه برلمانية بارزة، مثل ماتيلد بانو ومانويل بومبار وغيرهم".

وقال ستورا معلّقا على ظاهرة روتايو: "عندما يتشبّث وزير الداخلية بملف الجزائر، فهو يذكّرنا بمقولة فرانسوا ميتران بأن الجزائر هي فرنسا، وهي العبارة التي كان يرددها بكثرة عندما كان وزيرا للداخلية خلال فترة الاحتلال الفرنسي".

وبعيدا عن النقد الفردي، يرى المؤرخ "أن هناك تحول فعلي داخل الطبقة السياسية الفرنسية نحو اليمين، حيث تغرق الطبقة السياسية الفرنسية في شكل من أشكال الإنسحاب الإيديولوجي، لتتخلى تدريجيا عن دراسة الملفات المتعلقة بالذاكرة لصالح موضوعات أكثر توافقا انتخابيا، مثل الأمن أو الهجرة أو التوترات المجتمعية".

  • بروننو روتايو، وزير الداخلية الفرنسي، الصورة: ح.م

    روتايو.. وجه لفرنسا مريضة

    لقد اختار روتايو معسكره بوضوح: معسكر المليارديرات المتطرفين وورثة الهالك جون ماري لوبان ومنظمة الجيش السري "أو.أ.أس".

وعبّر ستورا عن خشيته من تراجع ملف الذاكرة الذي ينبغي أن يكون موضوعا للحوار والمصالحة، قد تراجع إلى خلفية الاهتمامات السياسية، حيث لا يتم استخدامه إلا لأغراض الاستفزاز و التصعيد.

ويرى المتحدث أن طرح بعض المسؤولين الفرنسيين لملف المؤثّرين الجزائريين والمهاجرين، يغذي الشك تجاه فكرة وجود جالية فرانكو- جزائرية، في حين أن الأمر يتعلق بمجتمع راسخ ومتنوع وغني بالروابط الثقافية والعاطفية والتاريخية العميقة مع ضفتي البحر الأبيض المتوسط.

بالنسبة لبنيامين ستورا، فإن القضية تتجاوز المناقشات السياسية، حيث يتعلق الأمر بحقيقة وجود فضاء جزائري فرنسي مرتبط بشكل لا ينفصم.

ويعتقد المؤرخ أن العلاقة بين البلدين، حتى وإن كانت متعارضة، ليست إرثًا بسيطًا من الماضي، بل هي حقيقة حية ويومية وهيكلية ولا يمكن التراجع عنها بمرسوم أو باستراتيجية سياسية.

ويذكر ستورا أن المجتمعات قد نسجت فيما بينها خيوطًا أعمق بكثير مما تريد الخطابات السياسية أن تقودنا لتصديقه.

ويخشى المؤرخ، الذي رافق منذ فترة طويلة محاولات حل ملفات الذاكرة العالقة بين البلدين، لا سيما في فترة حكم الرئيس إيمانويل ماكرون، من تراجع رهيب في الملف، ويرى في الأزمة الحالية أحد أعراض عدم القدرة على التفكير في التاريخ بتعقيداته.

ويذكر ستورا بأن التاريخ ليس أداة يمكن التعامل معها باستخفاف، بل إنه تراث مشترك، غالبا ما يكون مؤلما ويجب التعامل معه بمسؤولية.

مؤكدا أن التحدي الذي تواجهه العلاقات الفرنسية الجزائرية، هو البناء على أساس من الحقيقة والاحترام والاعتراف المتبادل بعيدا عن المشاعر الحزينة والحسابات القصيرة المدى.